عبيدات يدعو إلى حماية الأجيال في ظلّ تراجع منظومة القيم وتنامي التّكنولوجيا
“الأردنيّة”: علماءُ ومفكّرون يناقشون تعزيز القيم في التّعليم الجامعيّ
22 الاعلامي – زكريا الغول – قال رئيس الجامعة الأردنيّة الدكتور نذير عبيدات إنّه يجب على الأمّة أن تكون قادرةً على إحداث التّغيير في حياة الناس كافّة، الأمر الّذي لا يتأتّى إلّا بالعلم، والإبداع، والابتكار؛ حتّى نغيّر الأشياء بعلمنا، وبحوثنا، واختراعاتنا.
وأكدّ عبيدات أنّ التّغيير القيميّ المنشود الّذي نسعى إليه لا يُدرك بالأماني، بل بالعمل، والتّفاني، والأخلاق، والقانون، والمؤسّسيّة؛ فلا بدّ من أن نثبت للعالم أنّنا لسنا أمّة الفوضى والبربريّة كما وصفنا بها، بل إنّنا أصحاب حضارة ورسالة عادلة؛ علّمت العالم عندما كان لا يعلم؛ وأضاءت دروبه بعد ما كانت غارقة بالظّلام.
وجاء ذلك أثناء انطلاق فعاليّات المؤتمر العلميّ الدّوليّ “موقع القيم في التّعليم الجامعيّ” الّذي عُقد اليوم، بتنظيم من الجامعة الأردنيّة، وبالتّعاون مع المنتدى العالميّ للوسطيّة، والمعهد العلميّ للفكر الإسلاميّ، بمشاركة نخبة من المفكّرين، والمتخصّصين، والباحثين من الدّول العربيّة والإسلاميّة المختلفة.
وأضاف عبيدات أنّ ما نراه اليوم من أثر مريع للتّكنولوجيا في حياة النّاس وأمن الأفراد يحتّم علينا أن نقف في مكان مناسب؛ لنحمي أطفالنا، وأحفادنا، ومن سيجيءُ بعدهم، لافتًا إلى أنّ المؤتمر يشكّل فرصة؛ لنؤثّر في الآخر، لا أن نتأثّر فقط بهذا العالم الّذي لم يعد قادرًا على أن يحميَ الضّعاف.
وشدّد عبيدات على ضرورة تعزيز قيم الوسطيّة الإسلاميّة، وأن تكون شعرا واضحا يستوعبه أصحابها، بامتلاكها أسباب الاستدامة، والقوّة، والتّأثير، ومحرّكات العمل؛ للنّهوض بهذه الأمّة.
ومن جانبه قال أمين عام المنتدى العالميّ للوسطيّة المهندس مروان الفاعوري إنّ الحديث عن القيم يحيلُنا إلى ما تشهده غزة من إبادة وحشيّة تشير إلى اختلال واضح في القيم الإنسانيّة والعالميّة؛ إذ تتجلّى صور العنف والقسوة المتجرّدة من معاني القيم الإنسانيّة كلّها الّتي تنأى عن معايير الرّحمة والعدالة، وتكشف هذه المأساة الإنسانيّة عن فشل المجتمع الدّوليّ في حماية الإنسان، وتحقيق العدالة، وحماية حقوق المدنيّين الأساسيّة.
وأكّد الفاعوري أنّه في ظلّ هذه الأوضاع تصبح الحاجة ملحّةً لإعادة النّظر في منظومة القيم العالميّة، وتفعيل القوانين الدّوليّة بجديّة أكبر، لافتًا إلى أنّ القيم الإنسانيّة ومن ضمنها القيم الجامعيّة الّتي نحن بصدد تأكيد أهميّتها في الجوانب التربويّة، والتّعليميّة، والإداريّة، والمنهجيّة الإنسانيّة تتطلّب أن يكون هدفها احترامَ حقوق الإنسان في الجوانب كافّة، والوقوف بوجه الظّلم أينما كان، ومن واجب المجتمع الدولي اتّخاذ موقف حازم يعيد الاعتبار للقيم الّتي تأسّست عليها المواثيق العالميّة.
وعن القيم الإنسانيّة في التّعليم الجامعيّ أوضح الفاعوري أنّ التّعليم الجامعيّ يعدّ بوابة نحو التّطوّر الإنسانيّ، والتّغيير الاجتماعيّ، في عالم يشهد تسارعًا غير مسبوق؛ إذ تتداخل الثّقافات، وتتراكم المعلومات، وتصبح القيم البوصلة الّتي توجّهنا نحو مستقبل مشرق، يتجاوز حدود المناهج الدراسيّة، ليشمل بناء منظومة القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة الّتي تشكّل شخصيّاتنا وتوجّهاتنا.
وتعدّ القيم الجامعيّة جوهر الهُويّة الثّقافيّة والأخلاقيّة للمؤسّسات التّعليميّة؛ فهي لا تعكس فقط التّقاليد المحليّة، بل تتفاعل مع المؤثّرات العالميّة؛ لتخلق بيئة تعليميّة تعزّز من السّلوك الإيجابيّ، والمسؤوليّة الاجتماعيّة، بوساطة منظومة القيم، في الوقت الذي تواجه مجتمعاتنا تحدّيات عصر المعلومات، بدءًا من الضّغوط الأكاديميّة حتّى التّأثيرات السّلبيّة لوسائل التّواصل الاجتماعيّ، ومن هنا تأتي أهميّة إدماج القيم في المناهج الدراسيّة، وتدريب أعضاء هيئة التّدريس؛ ليكونوا نماذجَ تُحتذى؛ سعيًا لتأسيس جامعة القيم.
وقدم أمين عام مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة الدكتور عبد الحميد مدكور إيجازًا حول قيم التّعليم الجامعيّ في المرجعيّة الحضاريّة، مبيّنا خصائص العلم في الإسلام، ومشيرا إلى أنّ العلم في الإسلام قد تفرّد بخصائصَ عمّا سواه من النّظم العلميّة والتّعليميّة الأخرى.
وأكّد مدكور أنّه لا بدّ من التّوقّق والتّمسّك بتلابيب القيم، وغرسها في نفوس طلبة العلم؛ إذ إنّ الجامعات المكان الأفضل لهذه العمليّة، مجزيًا التّحيّة لمن ما زالوا يرفعون راية القيم، ويتقدّمون الطّريق، ويتحمّلون عناء نهضة الأمم.
إلى ذلك ألقى المستشار الأكاديميّ للمعهد العالميّ للفكر الإسلاميّ/ مدير مكتب الأردن الدكتور رائد عكاشة كلمة قال فيها إنّ فكرة المؤتمر نبعت من استشعار الدّود الّذي تقوم به في تشكيل الهُويّة الجامعيّة، وتشكيل الوعي بمكوناتها من جهة، ومحاولات طمسها من جهة أخرى؛ إذ لا يتحقّق تشكيل الوعي إلا بالتّمثيل الكبير لمفهوم الوعي المتقدّم أو اليقظ الّذي يتطلّب إدراكا صحيحا لمعطيات التّطوّر التّاريخيّ.
وأشار عكاشة إلى أنّه ليس صحيحا أنّ الأمن القيميّ، وتفعيل القيم في الجامعة مقولة سحريّة، وليس بناء الشخصية الجامعية عمليّة فوقيّة يخطّطها القادة، بل هي عمليّة مجتمعيّة تحتيّة، وأنّ مشاريع النّهوض لا تملك إلًا أن تكون مشاريع جماعيّة دون الاستهانة بأيّ عمل فرديّ.
ويهدف المؤتمر إلى التّوعية بأهمية القيم في التّعليم الجامعيّ، والتّمييز بين فئات القيم الجامعيّة وتصنيفها، وابراز أهميّة الرّبط بين المعرفة، والقيم، وبناء تصوّرات حول نماذج من الحياة الجامعيّة القائمة على القيم.
وتناقش أوراق المؤتمر ما يزيد على خمسة عشر محورا، على مدار يومين في أربع جلسات تبحث أولاها القيم وتشكيل الشّخصيّة الجامعيّة، وثانيها حالة القيم في الرّؤية والبحث والتّدريس، وماهيّة القيم الجامعيّة، وتصنيفها، وتماثلاتها، أما رابعها فتعرض لتجارب جامعات، ومؤسّسات، ومراكزَ فكرية.