انطلاقُ أعمال مؤتمر “الفهم المشترك بين ضفّتَيّ المتوسّط: مفاهيم، أفكار، ومدركات”، في الجامعة الأردنيّة
مشاركون يؤكّدون أهميّةَ التّواصل الحضاريّ والتّبادل الثّقافيّ بين ضفّتَيّ المتوسّط
22 الاعلامي – سناء الصمادي- انطلقت اليوم في كليّة الآداب في الجامعة الأردنيّة، فعاليّاتُ مؤتمر “الفهم المشترك بين ضفّتَيّ المتوسّط: مفاهيم، أفكار، ومدركات”، بمشاركة نخبة من الأساتذة، والمفكّرين، والباحثين.
وأشار رئيسُ الجامعة بالوكالة الدكتور أشرف أبو كركي إلى أنّ الجامعة الأردنيّة تتبنّى في صميم أهدافها الحوارَ الواعي الهادف إلى المعرفة الحقّ الّتي تعبّر عن جوهر الإنسان الواعي لذاته، ولمتطلّبات علاقاته بذاته وبغيره من الأفراد والأمم الأخرى، بعدّهم في النّهاية بشرًا يشتركون في عدد كبير من الصّفات الّتي تدفعهم إلى السّعي إلى الفهم المشترك القائم على سماتهم الإنسانيّة الّتي تفرض عليهم بالضّرورة أن يفهموا ذواتَهم، ومردّ ذلك إلى أنّ هذا أوّل أهداف الفلسفة وجوهر وظيفتها، فمن فهم ذاته سَهُلَ عليه أن يفهمَ غيره، ومن فهم غيره أوجد الرّابط المشترك للتّفاهم، والعيش القائم على التّعاون الموصل إلى بناء الحضارة والاستقرار والازدهار.
وأشار إلى أنّنا في هذا الوقت نحتاج جميعًا إلى أن نميّزَ بين الصّواب والخطأ، متمنيًّا أن يخصّص جزء في هذا العالم للأساسيّات الّتي يقوم عليها علمُ الفلسفة، والذّكاء الاجتماعيّ، والقدرة على التّعاطف مع الآخرين.
وتابع قائلا: ” لقد كان الفعل الفلسفيّ أول مميّزات الإنسان بوصفه كائنًا عاقلًا مدركًا لذاته ومحيطه ومتطلّباته، وهذه العقلانيّة قادت إلى ممارسة الإنسان لإنسانيّته بصورة تدريجيّة؛ أفضت في النّهاية إلى التّراكم المعرفيّ بوصفه القاسم المشترك بين البشر جميعًا؛ إذ إنّ معظم التّساؤلات الفلسفيّة أينما بدأت، وفي أيّ مسألة طرحت تجد ذاتها تحتلّ اهتمامات البشر في كلّ زمان ومكان؛ لأنّها المزيّة الجوهريّة للإنسان، وهذه هي مزيّة الفلسفة الأساس، تبدأ من الإنسان لتعود إلى الإنسان؛ لوجود هذا القدر المشترك بين البشر جميعًا، ووسيلتها وجود العقل الإنسانيّ بعدّه الموجود المشترك بين البشر كلّهم، والفاعل الّذي يوحّد بين وسائلهم وغاياتهم، ولا يجدون منه نفورًا؛ لأنّه في الجوهر يعبّر عن القاسم المشترك لآمالهم ومخاوفهم وتطلّعاتهم في الوصول إلى الحقيقة بوصفها الغاية الّتي تجمع كلّ البشر على صعيد واحد.”
وأضاف أنّ دور الكليّات الإنسانيّة والعلميّة في الجامعة مع الشّركاء خارج الجامعة أن تعمل سويًّا؛ لترسيخ الفلسفة في برامجها الأكاديميّة وانتشار الفكر، والحوار، وتبادل المعرفة بالطّريقة الصّحيحة بين الطّلبة والمجتمعات.
وبدوره قال عميدُ الكليّة الدكتور محمد القضاة إنّ المؤتمر الّذي يحمل عنوان “الفهم المشترك بين ضفّتَيّ المتوسّط: مفاهيم، أفكار، ومدركات”، الّدي يستمرّ لثلاثة أيّام، يأتي انعقادُه تزامنًا مع احتفال منظّمة اليونسكو باليوم العالميّ للفلسفة سنويًّا الّذي يصادف اليوم؛ الخميس الحادي والعشرين من شهر تشرين الثّاني.
وأضاف أنّ المؤتمرَ يؤكّد أهميّةَ حوار الأفكار بيْن شمال المتوسِّط وجنوبه خاصّة، وبيْن المَشرق والمَغرب عامّة، حيث لا يَعرف دَرْبُ الأفكار حدودًا فاصلة، ولا يُنْكِرُ، في الوقت نفسِه، الاختلافَ بيْنَهُمْ، وليْسَتِ الثّقافةُ المُشْترَكةُ لَدَى شُعوبِ مِنْطقةِ حوْضِ البَحْرِ المتوسّطِ إلّا دليلاً على بُطْلانِ ما يُسَمّى بالحُدود الثّابتة والفاصلة بيْنَ الشّرق والغَرْب.
وزاد أنّ الإطارَ الحضاريّ العربيّ الإسلاميّ استندَ إلى منْظور مُتسامِح يَستوعبُ السّلوكَ الإنسانيَّ بمَظاهرِهِ المُتعدّدة؛ ما مَكَّنَ ابنَ ميْمون ومعاصريِهِ – مسلمينَ وغيْر مسلمين – من ممارسة العمل الفكريّ، والإبداع، وتنمية الذّات، والمُحافظة على الهُويّة، كما مَنَحَهُم حريّةَ التّعلّم والتّعبير عن الرّأي، فَعِندما نتحدّثُ عن التّواصل الثّقافيّ عبْرَ التّاريخ، فإنّنا لنْ نجدَ مِثالًا أروَعَ من الحضارةِ الإسلاميّةِ في الأندلس التي كانتْ جِسْرًا للتّواصلِ بيْنَ الثّقافتيْن العربيّة والغرْبيّة؛ فهيَ تُمثّلُ التقاءَ الحضاراتِ بيْنَ الشّرقِ والغرْب، والتّأثُّرَ والتّأثيرَ في الحضارات.
وبيّن القضاة أنّ الثّقافةَ العربيّةَ تُواجِهُ في وقتِنا الحاضرِ قائِمةً من التّحدّيات، منها: تحدّي تفويضِ وتمكينِ الفكْرِ الحّرِّ المسْؤول؛ تحدّي الباصِرةِ والبَصيرة؛ تحدّي التّعليمِ الدّينيّ؛ تحدّي إعدادِ المعلِّمِ المربِّي؛ التّحدّي السياسيِّ والاقتصاديّ؛ التّحدّي المتعلِّق بالصّحّةِ البدنيّةِ والعقليّة؛ وتحدّي تفعيلِ المُشاركة.
وأوضح أنّ المؤتمرَ يشارك فيه نخبةٌ من الأساتذة والمفكرين، ونتطلّعُ إلى الاستماع إلى مساهماتِهم التي ستُغني النقاشَ حول الفهم المشترك بين ضفّتيّ المتوسّط؛ مفاصلَ هذه التجربةِ وآفاقَ تفعيل مكوّناتِها.
واستعرض المديرُ الأقليميّ للمعهد الفرنسيّ للشّرق الأدنى Ifpo الدكتور إياس حسن نشأة المعهد الّذي تأسّس عام 1922 الّذي يعمل على خدمة المعرفة العلميّة في ميادين العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة كلّها، منذ العصور القديمة حتّى أيامنا هذه، ويسعى المعهد الفرنسيّ للشّرق الأدنى إلى بناء معارفَ علميّة مشتركة مع كلّ من المجتمعات الّتي تستضيف باحثي المعهد، ومراكز الأبحاث الفرنسيّة والعالميّة.
وتحدث المديرُ الإقليميّ للمعهد العالميّ للفكر الإسلاميّ الدكتور فتحي ملكاوي عن أهميّة التّواصل الحضاريّ والتّبادل الثّقافيّ بين ضفّتيّ المتوسّط الّذي كان شأنًا تاريخيًّا، وكان للفلسفة شأن كبير في هذا التّواصل، لافتًا إلى أهميّة التّعاون والمشاركة في تنظيم مثل هذه النّشاطات العلميّة لبناء فهم مشترك في الأفكار، والمفاهيم، والمدركات بين المؤسّسات.
وقالت مديرةُ المعهد الملكيّ للدّراسات الدّينيّة الدكتورة رينيه حتر إنّ موضوعَ مؤتمر اليوم “الفهم المشترك بين ضفّتيّ المتوسّط: مفاهيم، أفكار، ومدركات” يتطرّق إلى موضوع جوهريّ يمسّ حاضرنا ومستقبلنا، هذا الفهم الّذي يمثّل الجسر الأساسيّ لبناء عالم أكثر سلاما وتعاونا وسط التّحدّيات المتزايدة الّتي تواجه العالم.
وأضافت أنّ انعقادَ المؤتمر يحمل رمزيّة عميقة تذكّرنا بالدّور الحيويّ الّذي يمكن أن يلعبه الفلاسفةُ من الشّرق والغرب في تحفيز الفكر وتعزيز الفهم الّذي يسبقه التّفاهم، وبيّنت رئيسةُ قسم علم الفلسفة في كليّة الآداب بالجامعة الأردنيّة الدكتورة دعاء علي أنّ الفلسفة يُحتفى بها اليوم بوصفها شأنًا ثقافيًّا وحضاريًّا يخصّ المشترك البشريّ بماضيه، وحاضره، ومستقبله؛ إذ يجتمع اليوم مفكّرون وباحثون من التّوجهات والثّقافات المختلفة؛ ليعملوا معًا على خلق مساحة حرّة للإبداع الفكريّ؛ إذ يتحاور الأداء، وتتلاقى الرّؤى في بيئة تتّسم بالاحترام والفضول الفكريّ.
واشتمل برنامجُ المؤتمر على محاضرة افتتاحيّة جاءت بعنوان “شذرات فكريّة وصراحة مسؤولة”، قدّمها أستاذُ الفيزياء النّظريّة والباحث الأردنيّ همام غصيب.
وتضيء الجلسة الثّانية من المؤتمر آفاقَ التّعاون “ماذا بعد” الّتي يشارك فيها المعهدُ العالميّ للفكر الإسلاميّ، والمعهدُ الملكيّ للدّراسات الدّينيّة، والمعهدُ الفرنسيّ للشّرق الأدنى إلى جانب الجامعة الأردنيّة.