22 الاعلامي – بقلم أ.د. محمد الفرجات
- البشرية باتت تستهلك أكثر من طاقة الكوكب الانتاجية
- دول تعاني كثافات سكانية كبيرة، أعداد سكانها مؤهلة للتضاعف خلال عقدين
- موارد المياه العذبة أصبحت شحيحة والطلب والتنافس بإزدياد
- التلوث بسبب زيادة الانتاج الصناعي والزراعي والأعمال والنقل والطلب على الرفاه والسفر لسد حاجات السكان يستنزف المصادر الطبيعية ويؤدي لأمراض خطيرة
- تزايد غير مسبوق للمخلفات الصلبة والسائلة والغازية، والطبيعة ما عادت تستوعب
- التغير المناخي والكوارث الطبيعية والأوبئة أصبحت تهدد البشرية
- هجرات بشرية وموجات لجوء يشهدها العالم (قانونية وغير قانونية) بحثا عن النجاة أو فرص العمل
- تساؤلات عن طاقة الكوكب الاستيعابية لأعداد البشر مقابل أنشطتهم اليومية ومتطلبات الحياة والرفاه
- بدأت أعراض ما سبق تظهر في العالم على شكل نزاعات وحروب وتكتلات
أكتب المقال وقد بلغت الساعة الآن الثانية صباحا، ويشغلني التفكير بمستقبل البشرية والعالم، خاصة مع كمية الأخبار السياسية والاقتصادية والمناخية من حول الكوكب، والتي تشير إلى خلل ما.
الأرض سخرها الله تعالى لحياة البشر، وكل ما فيها من صفات فيزيائية تعد داعمة للحياة؛ من درجات حرارة وقيم ضغط مناسبة، وحقول جاذبية تناسب ميكانيكية الحركة والتنقل والثبات وحقول مغناطيسية وأغلفة جوية تحمي أشكال الحياة من الأشعة الضارة، ووفرة مائية وغذائية ودورات طبيعية متزنة… إلخ.
عدد سكان الأرض لم يكن في يوم ما وعبر التاريخ البشري بالمليارات كما هو الحال اليوم، ويعزى ذلك للثورة الصناعية التي بدأت في القرن الثامن عشر، ليرافقها كذلك تطور اللقاحات ضد مختلف الأمراض المعدية التي كانت تفتك بمدن وقرى كاملة عبر العصور؛ فتتحسن الانتاجية الغذائية وتقل الوفيات وخاصة مع تحسن العناية الصحية، وتزداد فرص العمل ويزداد الطلب على الأراضي والمصادر الطبيعية والتوسع.
بلغ عدد سكان الأرض في القرن الثامن عشر نحو 200 مليون نسمة، لينمو خلال قرنين إلى 8 مليار نسمة، وهذا يعد نمو سكاني سريع وضخم ولم يشهده التاريخ من قبل.
وقد تضاعفت أعداد البشر مؤخرا مع حلول النظام الدولي، حيث نشأت مجالس دولية لفك النشب وحل النزاعات كمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الانسانية ومنظمات الإغاثة وقوات حفظ السلام الدولية ومنظمات صحية وبيئية وغذائية إلخ، لتحمي وتسند سكان العالم، فيما أنه على النقيض قد سادت الحروب الطاحنة والأوبئة الشرسة عبر العصور الماضية، وحدثت كوارث طبيعية كثيرة لم تجد الحلول أو الإنعاشية كما يحدث اليوم، ليهلك بسبب هذه الحروب والأوبئة والكوارث مئات الملايين من البشر على مر الزمان، حيث تؤكد ذلك دراسات علم الآثار البيئي والجيولوجيا على بقايا التربة من مواقع مختلفة من العالم حيث سادت وبادت آلاف الحضارات التاريخية.
اليوم ومع الزيادة السكانية الهائلة ومع التغير المناخي الذي ندفعه كثمن للثورة الصناعية بمراحلها المختلفة وتقدم أدواتها ومنتجاتها في قطاعات الصناعة والزراعة والنقل والخدمات المختلفة وتوليد الكهرباء… إلخ، وما تتطلبه من طاقة تنتج عن حرق الوقود والفحم، ولإطعام وتنقل ورفاه البشر الذين أصبح عددهم بالمليارات، فيبدو بأن الأنظمة الدولية العالمية بشكلها الحالي باتت مرهقة، وأصبح الخلل يظهر بشكل متسارع وبمظاهر وأعرض كثيرة.
مع ما سبق، ومع القنبلة السكانية العالمية فأزمة المياه والغذاء والطاقة تفاقمت في العالم، وباتت بوادر حروب المياه والتعطيش تظهر، وأصبح المد السكاني يستهلك الأراضي الصالحة للزراعة.
دول كثيرة باتت تنشيء السدود على مجاري الأنهار على أراضيها، مما يهدد مستقبل وبقاء شعوب ودول يستمر جريان هذه الأنهار في أراضيها؛ أزمة سد النهضة في إثيوبيا وتهديده للأمن القومي المصري مثال.
داخل الدول فالفلاحون والمزارعون ومربو الثروة الحيوانية في العالم (أو أبناؤهم على الأقل) يهجرون الأرياف والقرى والبوادي للمدن، ويتركون مهنتهم طلبا للكسب السريع وطلبا للراحة بعيد عن العمل المرهق وقليل الكسب، وخاصة مع تدني إنتاجية المحاصيل وغلاء الأعلاف… إلخ.
فرص العمل مع زيادة السكان شحت في معظم دول العالم خاصة الفقيرة منها، فتجد الشباب الأفارقة مثلا يهاجرون بالقوارب وبشكل غير قانوني إلى أوروبا، وشباب وعائلات من أمريكا الجنوبية يتسللون إلى أمريكا بحثا عن الحياة لتخرج الأمور أحيانا عن السيطرة.
فيما أصبح اللاجئون بسبب الحروب والنزاعات بعشرات الملايين، لتصبح منظمات الاغاثة عاجرة عن تأمين غذائهم وتمويل خدماتهم.
النزاعات على الأراضي الخصبة المنتجة وعلى العناصر النادرة والثروات الطبيعية والغاز والمعادن وعلى النفوذ تفاقمت؛ حرب روسيا أوكرانيا مثال.
دول العالم باتت تتجمع في تكتلات سياسية وإقتصادية لحماية مستقبلها، والعالم يشتعل بالصراعات المفتعلة؛ وما يحدث في إفريقيا من إنقلابات مثال.
أمريكا التي تعيد تموضعها في أجزاء من العراق وسوريا تصارع التضخم المالي فيما تسابق الزمن بحربها غير المعلنة مع روسيا والصين، والفيدرالي لا يتوقف برفع الفائدة لكبح جماح مئات مليارات الدولارات التي طبعت خلال العقد الأخير دون تغطية إقتصادية، والأزمة تعصف بإقتصادات عالمية وتؤدي إلى إنكماش إقتصادي وركود وتجمع تريليونات الأغنياء في البنوك طلبا للربح الأسهل والأسرع.
الإتحاد الأوروبي إستنزفته الحرب الروسية الأوكرانية وشح إمدادات الغاز، وهنالك تخوف من السقوط الاقتصادي.
الأمور مع بعضها البعض (تلوث، تغير مناخي) وقبل ثلاثة أعوام فاجأت سكان الكوكب بتطور وباء خطير حصد ملايين الأرواح، وهو فيروس كورونا.
يتسابق العالم اليوم مع الزمن نحو ممارسات الاقتصاد الأخضر لكبح جماح تضرر الكوكب الناتج عن نشاطات مليارات البشر ومتطلبات حياتهم ورفاههم.
الخلاصة تفيد بأن قول الله تعالى يتحقق “ظهر الفساد في البر والبحر”، وأن البشرية أصبحت في صراع مع طاقة الكوكب الاستيعابية الطبيعية، وأن النظام الدولي ما عاد قادرا على تحمل المزيد من النزاعات والصراعات، وأن القنبلة السكانية قد تنفجر في أية لحظة، ليختلط الحابل بالنابل وتخرج الأمور عن السيطرة الدولية، لتباد المليارات مع الفوضى القادمة، ثم نعود إلى عصر الكهوف، فتبدأ البشرية من جديد، هذا والله تعالى أجل وأعلم،،،