مقالات
أخر الأخبار

المواجدة تكتب : الوباء الفكري.. خطر يهدد السلم المجتمعي ومسؤولية وطنية لمكافحته

22 الاعلامي – بقلم : ليندا المواجدة

في ظل التحولات الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الوباء الفكري والذي أحببت أن أطلق عليه هذا الإسم ، أحد أخطر التهديدات التي تواجه السلم المجتمعي والاستقرار الوطني.

إن زيارة وزير الداخلية مازن الفراية اليوم إلى وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية وتأكيده على ضرورة ملاحقة خطاب الكراهية والتصدي للنعرات الطائفية والعنصرية، يعكسان إدراك الدولة لمدى خطورة هذه الظاهرة على السلم المجتمعي ،لكن ما نواجهه اليوم ليس مجرد خطاب كراهية عابر، بل أود القول بأنه جزء من وباء فكري ،لانه يقوم على أيديولوجيات متطرفة لا تقبل الاختلاف وتسعى إلى فرض رؤيتها بالقوة، مما يؤدي إلى تفكك المجتمعات وزيادة الانقسامات
هذا الفكر المتطرف، الذي يغذي العنف والغلو، لا يهدد فقط تماسك المجتمع داخليًا، بل يجعله أكثر عرضة للاستغلال من قبل المتربصين وأصحاب الأجندات المشبوهة، مما يجعل مكافحته مسؤولية وطنية لا تحتمل التأجيل أو التهاون لانه أحد أخطر التهديدات التي تواجه السلم المجتمعي والاستقرار الوطني. هذا الوباء لا يتمثل فقط في خطاب الكراهية وإثارة النعرات، بل يمتد إلى تبني أيديولوجيات متطرفة لا تقبل الاختلاف، وتسعى لفرض رؤيتها بالقوة الفكرية أو حتى المادية، مما يؤدي إلى تفكك المجتمعات وزيادة الانقسامات بين أفرادها.

حديث وزير الداخلية مازن الفراية اليوم خلال زيارته إلى وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتوجيهاته الحازمة بملاحقة مروّجي الفتنة ومحاسبتهم دون تهاون، تعكس مدى جدية الدولة في التصدي لهذا الوباء الفكري ، فقد أعلن عن إحالة 244 قضية خطاب كراهية عام 2024، وأكثر من 50 قضية منذ بداية هذا العام، مما يؤكد أن خطاب الكراهية ليس مجرد رأي، بل تهديد حقيقي للوحدة الوطنية، وأن مواجهته ليست خيارًا، بل ضرورة لحماية المجتمع من الانزلاق نحو الفوضى.

إن الوباء الفكري يتمثل في الأفكار التي تجيّش الأفراد ضد بعضهم البعض، وتخلق صراعات داخلية يستغلها المتربصون بالمجتمع، سواء من الداخل أو الخارج. الأخطر من ذلك، أن أصحاب هذه الأفكار يرون أنفسهم على صواب مطلق، معتقدين أنهم يملكون الحقيقة دون غيرهم، بينما هم في الحقيقة يؤججون العنف والتطرف ويقودون المجتمع نحو الهاوية. هذه السموم الفكرية، التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت أداة خطيرة للتحريض وإثارة الفتن، مما يستدعي تحركًا حازمًا لمواجهتها على كافة المستويات.

ورغم أهمية الإجراءات الأمنية والقانونية الرادعة، إلا أن الحل لا يمكن أن يكون أمنيًا فقط، بل يحتاج إلى جهود توعوية وتثقيفية شاملة تستهدف جميع الفئات، خاصة الشباب، الذين يشكلون الفئة الأكثر تأثرًا وتأثيرًا عبر الإنترنت. لذا، لا بد من تعزيز ثقافة الحوار والانفتاح الفكري، ودعم الخطاب المعتدل، الذي يحترم التنوع ويكرّس مفهوم التعايش المشترك.

إن الحرية مسؤولية، وما يُنشر عبر الفضاء الإلكتروني قد يكون له تأثير مدمّر إذا لم يتم التعامل معه بوعي. لذا، لا بد من تحقيق التوازن بين حرية التعبير وحماية النسيج الوطني، بحيث لا تتحول منصات التواصل إلى أدوات لبث الكراهية وتقويض الاستقرار، بل تكون مساحة لتعزيز قيم التسامح والتفاهم والتكاتف المجتمعي.

إن حديث وزير الداخلية اليوم يعكس التزام الدولة الراسخ بحماية المجتمع من أي محاولات لتمزيق وحدته، ولكن المسؤولية لا تقع على عاتق الأجهزة الأمنية فقط، بل هي واجب جماعي يبدأ من كل فرد في المجتمع، عبر نشر الوعي، والتبليغ عن أي محتوى تحريضي، ورفض الانجرار وراء هذا الوباء الفكري.

وكأردنيين، نحن دولة قوية صلبة، واجهنا العديد من الأزمات والتحديات، واستطعنا تجاوزها بفضل تماسكنا الوطني ووعينا الجمعي. إن تحركات جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين في مختلف المحافل تهدف أولًا وآخرًا إلى مصلحة الأردن والأردنيين، والمطلوب منا اليوم هو تعزيز تماسك الجبهة الداخلية، والبعد عن التناحر والخلافات التي تضعف موقفنا أمام التحديات. فالأردن، بتاريخه العريق وقيمه الراسخة، سيظل نموذجًا للوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي، وهو ما يجب أن نحافظ عليه جميعًا، لمستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى