مقالات
أخر الأخبار

نهاية بدور تكتب : الغياب الجماعي للطلاب: بين أزمة الانضباط ورسائل التغيير

22 الاعلامي – بقلم : نهاية بدري بدور

التعليم ليس مجرد حضور جسدي في المدرسة، بل هو رحلة بناء معرفي وسلوكي تصنع شخصية الطالب وتحدد ملامح مستقبله. ومع ذلك، أصبح الغياب الجماعي للطلاب ظاهرة لافتة، تتكرر في أوقات محددة مثل يوم الخميس أو خلال شهر رمضان، ما يطرح تساؤلات عميقة حول أسباب هذه الظاهرة، وأبعادها التربوية، وتأثيرها على الأجيال القادمة. فهل نحن أمام أزمة التزام؟ أم أن الغياب رسالة غير مباشرة تعكس خللًا أعمق في المنظومة التعليمية والمجتمعية؟

الغياب الجماعي: بين الظواهر السطحية والجذور العميقة

عند الحديث عن الغياب الجماعي، يتبادر إلى الأذهان أولًا التهاون في الالتزام، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. فالمجتمع ليس كتلة واحدة، وأسباب الغياب تختلف باختلاف الظروف والبيئات، وهنا نستعرض بعض العوامل التي برزت كمؤثرات ة:

  1. توقيت العودة الدراسية وتأثير الطقس

يعد بدء العام الدراسي في شهر آب، مع ارتفاع درجات الحرارة، من أكثر القرارات التي أثارت استياء الطلاب وأولياء الأمور. فالحر الشديد يؤثر على النشاط الذهني والجسدي، مما يجعل العودة غير محفزة، خاصة بعد إجازة قصيرة لم تكفِ لاستعادة الطاقة.

  1. نظام الفصول الدراسية وضغط الدراسة

مع امتداد العام الدراسي لعشرة أشهر متواصلة، وجد أولياء الأمور أنفسهم أمام التزام طويل من حيث المصاريف والجهد النفسي في متابعة أبنائهم. كما أن الطلاب لم يعودوا ينفصلون عن الدراسة حتى في المنزل، حيث أصبح التعلم مستمرًا عبر المنصات الإلكترونية، مما زاد من الإرهاق العام.

  1. صعوبة الوصول إلى المدارس

في المدن الكبيرة، حيث يسكن كثير من الطلاب في أحياء بعيدة عن مدارسهم، أصبح التنقل اليومي مرهقًا، مما جعل الغياب في بعض الأيام خيارًا مفضلًا لتخفيف المشقة.

  1. المناهج المكثفة وتحديات التعلّم

المناهج الدراسية الحديثة، رغم تطورها، أصبحت تشكل تحديًا للطلاب والمعلمين على حد سواء. فمع زيادة المحتوى وضيق وقت الحصة، يجد المعلمون صعوبة في إيصال المادة بفعالية، بينما يشعر الطلاب بأنهم مطالبون باستيعاب كم هائل من المعلومات دون وقت كافٍ لفهمها.

  1. حالات العنف في المدارس بسبب الضغط الدراسي

مع تزايد الضغوط على الطلاب، سواء من حيث الواجبات المكثفة أو الاختبارات المستمرة، بات العنف في المدارس ظاهرة مقلقة. لم يعد الأمر يقتصر على مشاجرات بين الطلاب، بل امتد إلى حالات اعتداء على المعلمين أيضًا. التوتر الناجم عن الضغوط الدراسية وعدم وجود متنفس صحي للطلاب يجعل البعض يلجأ للعنف كوسيلة للتعبير عن الغضب أو الإحباط، مما ينعكس سلبًا على البيئة المدرسية ككل.

  1. الهروب إلى مواقع التواصل الاجتماعي كحل بديل

مع شعور بعض الطلاب بأن المدرسة باتت مكانًا يفرض عليهم التزامات ثقيلة دون توفير بيئة داعمة، أصبح اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي أحد الحلول البديلة لتخفيف الضغط. فبدلًا من التفاعل داخل الصفوف، يقضي الطلاب ساعات طويلة على الإنترنت، إما للهروب من الواقع المدرسي أو للبحث عن وسائل تعلم أكثر مرونة وجاذبية مما توفره المدرسة التقليدية.

  1. الدراسة خلال شهر رمضان

رمضان ليس مجرد شهر للصيام، بل هو فترة تحدث فيها تغييرات كبيرة في نمط الحياة. وبينما يحتاج الطلاب للتركيز على الدراسة، يجدون أنفسهم مجبرين على التوفيق بين السهر والعبادة والدراسة، مما يؤثر على جودة التعلّم ويجعل الغياب خيارًا شائعًا.

الآثار السلبية للغياب: أبعد من مجرد دروس ضائعة

قد يظن البعض أن الغياب يقتصر على تفويت بعض الدروس، لكن المشكلة أكبر من ذلك بكثير. فالغياب الجماعي يخلق نمط تفكير سلبي لدى الطالب، يرسّخ فكرة أن الالتزام أمر اختياري، وليس مسؤولية. كما أن الانقطاع المتكرر عن المدرسة يؤثر على التحصيل العلمي، ويجعل الفجوة بين الطلاب المتفوقين والمتأخرين أكبر، مما قد يؤثر على مستقبلهم الأكاديمي والمهني لاحقًا.

بين العقوبات والحلول الجذرية: ماذا يحتاج التعليم اليوم؟

بدلًا من التعامل مع الغياب بأسلوب العقوبات فقط، من الضروري البحث عن حلول متوازنة تعالج الأسباب الفعلية للمشكلة، وتجعل المدرسة بيئة أكثر جذبًا للطلاب. ومن أبرز المقترحات التي طرحها المجتمع:
• تمديد الإجازة الصيفية بحيث تشمل شهري تموز وآب لتجنب الدراسة خلال فصل الصيف الحار.
• إعادة النظر في نظام الفصول الدراسية بحيث يكون هناك توازن بين التعلم والاستراحة، لتجنب الإرهاق المستمر للطلاب والمعلمين.
• تقليل الأعباء غير الأكاديمية مثل المشاريع والأنشطة المرهقة، والتركيز على الجوهر التعليمي للمدرسة بدلًا من تحميلها مهامًا إضافية تستهلك وقت الطالب والمعلم.
• إعطاء إجازة خلال شهر رمضان احترامًا لخصوصيته الدينية والاجتماعية، وتخفيفًا للضغط النفسي على الطلاب وأسرهم.
• تحسين بيئة التعلم وجعلها أكثر تفاعلًا وتحفيزًا، بحيث يكون الطلاب أكثر رغبة في الحضور، وليس مجرد ملتزمين بالحضور الإجباري.
• معالجة ظاهرة العنف المدرسي عبر توفير بيئة مدرسية آمنة، ودعم الطلاب نفسيًا، وتعزيز ثقافة الحوار والتفاهم بدلًا من العنف.
• تقديم حلول تقنية تعليمية تدمج بين التعلم المدرسي والتكنولوجيا الحديثة، بحيث تكون الدراسة أكثر تفاعلية وجاذبية للطلاب، بدلًا من اضطرارهم للبحث عن بدائل على مواقع التواصل الاجتماعي.

ختامًا: الغياب الجماعي رسالة تحتاج إلى قراءة صحيحة

الغياب ليس مجرد تصرّف فردي من طالب قرر أن يأخذ يومًا للراحة، بل هو سلوك جماعي يعكس مشكلة أعمق في النظام التعليمي والمجتمعي. إذا أردنا جيلاً ملتزمًا ومسؤولًا، فعلينا أن نفهم لماذا يفضّل بعض الطلاب الغياب على الحضور، وما الذي يجعل المدرسة بيئة غير محفزة لهم.

الإصلاح التعليمي ليس عملية جامدة، بل يحتاج إلى مراجعة مستمرة تتماشى مع تطورات المجتمع واحتياجات الأجيال الجديدة. فإذا كنا نطمح لمجتمع يقدّر التعليم، فعلينا أن نبدأ بفهم رسائل الغياب، بدلًا من تجاهلها أو معاقبتها فقط. لأن المدرسة ليست مجرد مكان لتلقّي الدروس، بل هي مؤسسة تبني العقول، وتصنع المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى