المولد النبوي الشريف..مولد فجر جديد أعلى شأن أمة
22 الاعلامي- (بترا) بشرى نيروخ- يستذكر العالم في ذكرى المولد النبوي الشريف، الذي يصادف الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام، الأحداث الخالدة التي بدلت معالم الحياة وغيرت مجرى التاريخ بولادة النور والهدى، حيث كان مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ايذانا بإعلاء شأن أمة، تشعر فيه بالعزة والإباء والكرامة، وتنفض عن كاهلها رواسب الجاهلية، وغبار الظلم الطغيان .
والثابت في السياق التاريخي، أن الحالة الاجتماعية في الجزيرة العربية وما حولها اتسمت بالتشظي والانقسام الحاد على أسس قبلية وجهوية، وكان العالم كأنما على عتبة ولادة المصلح وترقب المنقذ الذي سيقود البشرية إلى طريق الحق والهدى وسلم المجد والكمال، وولد رسول الهدى وجاء المصلح للعالم، ففك قيد العقول وحررها وأضاء النفوس وطهرها وغرس فيها الخير والفضائل، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46)”سورة الأحزاب.
وبهذه المناسبة العطرة التي أشرقت فيها شمس النبوة، تقام في كثير من المؤسسات من مساجد ومدارس وجامعات وبيوت، الدروس والمواعظ والخطب التي تتحدث عن المولد وما كان فيه من علامات النبوة، وفيوض الرحمات بمولده صلى الله عليه وسلم والنفحات الإيمانيّة العظيمة التي تحملها هذه الذكرى.
نسائم الرحمة والبركة تتجدد في ذكرى المولد النبوي الشريف.
سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة يقول لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، يتنسم المؤمنون في شهر ربيع الأول من كل عام نسمات الإيمان والرحمة بتجدد ذكرى المولد النبوي الشريف التي تحيي في الأمة معاني الانتماء لنبيها الكريم، الذي جاء بالرحمة المُهداة والنعمة المُسداة للعالمين، وحلّت البركات بمولده وعلى أمته التي استمدت خيريتها من انتسابها إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، فقد جعل الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُباركاً تفيض بركته على الوجود بأسره.
ويضيف، أنه منذ لحظة ولادته الشريفة حلّت البركة في مكة المكرمة، ثم في ديار مرضعته حليمة السعدية فنبت عندهم الزرع، ودرّ الضرع حتى قال زوجها لها: ” تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة، فقالت: والله إني لأرجو ذلك”، ثم نشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، في كنف جده وعمه، وأنزل الله تعالى عليه القرآن الكريم كتاب نور وهداية، ووصفه الله تعالى بأنه كتاب مبارك، فقال تعالى: “الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)” سورة إبراهيم، فاكتملت بذلك أركان الدين، وتشكلت وسيطة الإسلام المُستمدة من شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه التي قال الله تعالى فيها: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)”سورة الأنبياء، ومن القرآن الكريم الذي جاء بالمنهاج القويم والصراط المستقيم.
لذلك كانت هذه الأمة أمةً مباركة منذ بدايتها تهدي إلى الحق والرشاد، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، ابتعثها الله تعالى لهداية العباد وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فكما قال ربعي بن عامر رضي الله تعالى عنه: ” إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام”، والمقصود بأن هذه الأمة أمة مباركة، أي أن الخير فيها دائم ومستقر، بحسب الخصاونة.
ويبين أن أنوار أمة الإسلام مستمدة من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، وخيرتها تتمثل باتباعها لأوامر الله سبحانه وتعالى، في صلاح النفس وإصلاح البشرية من خلال الحثّ على مكارم الأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله عز وجل، يقول الله تعالى: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”سورة آل عمران.
وبالتالي فإن معتمد الأمة الإسلامية وسندها هو البركة التي وضعها الله تعالى بها، وارتباطها بالنبي صلى الله عليه وسلم، لذلك كانت مناسبة المولد النبوي الشريف، وتذكر هذه البركة العظيمة التي حلّت بالأمة، والرحمة التي أهداها الله تعالى للعالمين، هي النبراس الذي يضيء دربنا، ويذكرنا بأهمية اتصالنا بالنبي صلى الله عليه وسلم السير على هديه ومنهجه المُبارك، وفقا للخصاونة.
رئيس قسم أصول الدين كلية الشريعة الجامعة الأردنية الدكتور علاء الدين محمد عدوي، يجد في هذه المناسبة، الفرصة لاستحضار واستذكار السيرة النبوية المشرفة ودراستها، لذلك تقام في كثير من المؤسسات من مساجد ومدارس وجامعات الدروس والمواعظ والخطب التي تتحدث عن المولد وما كان فيه من علامات النبوة، وفيوض الرحمات بمولده صلى الله عليه وسلم والنفحات الإيمانيّة العظيمة التي تحملها هذه الذكرى، ورعاية الله لرسوله منذ مولده، فتتعزز صلة المجتمع بسيرة نبيهم ويتعرفون على ما كان في مولده من أحداث وعلامات أنارت الكون كله فرحا بقدوم خاتم النبيين المبلغ عن رب العالمين، الأسوة الحسنة، رحمة للعالمين.
ويرى انه بالإمكان نقل الاحتفالات في بيوتنا من خلال الاجتماع على قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيه الأبناء لقراءتها، وإهدائهم نماذج من كتب السيرة، ومذاكرتها معهم وتدارسها، وتعليمهم دروسها وعِبرها بوسائل مرئية أو مسموعة أو من خلال المسابقات بينهم، وهذا كله محبة للرسول الكريم الذي جعل الله اتباعه محبة له، وجعل محبته علامة على كمال الإيمان، والتأمل فيما جاء به من القيم العظيمة النبيلة، والأخلاق الإنسانية الكريمة، التي تجلت في أحواله وصفاته صلى الله عليه وسلم، وغرسها في نفوسنا ونفوس شبابنا لنتمثل سنته المشرفة ونتبعها، ونسير على هديه العظيم.
محبة النبي واجبة.
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة العلوم الإسلامية العالمية الدكتور أمين عمر دغمش، يشير إلى ان ذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، تعد ذكرى أعظم يوم من أيام الله في حياة البشرية جمعاء، ذكرى من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وبين يدي هذه الذكرى لا بد من التذكير بوجوب محبة النبي – صلى الله عليه وسلم- فقد قال الله تعالى : ” فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)” سورة النساء.
ويلفت إلى أنه لا يتمّ إيمان العبد المسلم ولا يكتمل إلا بمحبة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والتسليم لأمره وقضائه. روى الإمام مسلم في صحيحه عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”، قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: “معنى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ عَلِمَ أَنَّ حَقَّ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكد عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لِأَنَّ بِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – اسْتُنْقِذْنَا مِنَ النَّارِ، وَهُدِينَا مِنَ الضَّلَال”.
ويستذكر دغمش ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- َ: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِي-ُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الآنَ يَا عُمَرُ». أي الآن كمل إيمانك.
ومن علامات محبته –صلى الله عليه وسلم- الاقتداء به واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه، وتعظيمه، وتوقبره، وكثرة ذكره، والشوق إلى لقائه، ذلك أنه إذا أرادت الأمة اليوم النهوض من كبوتها، لا بد لها من الاقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – والتخلق بأخلاقه الجميلة، وفقا لدغمش.
أستاذ الحديث النبوي الشريف في كلية الشريعة جامعة آل البيت وعضو رابطة علماء الأردن الدكتور محمد مصلح الزعبي يؤكد على أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا يكون بالمحرمات بل بالطاعات؛ كتلاوة القرآن أو الاستماع له، وإقامة الندوات الدينية للتذكير بسيرته واتباع سنته والاقتداء بهديه وشريعته هو عمل مشروع، وهو تعبير عن محبته التي هي فرض واجب على كل مسلم بنص القرآن والسنة، إذ يقول تعالى: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)” سورة آل عمران، ويقول صلى الله عليه وسلم : “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”.
الزعبي وهو عضو مؤسس في اتحاد الأكاديميين والعلماء العرب، يشير إلى أنه لا سبيل لدخول الجنة دون محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فمحبته هي الطريق إلى الجنة، والبوابة الموصلة إلى حب الله وهي الدليل على إيمان المرء وإخلاصه لله.
ويبين أنه لا تتحقق محبة النبي صلى الله عليه وسلم بالقول فقط، بل لا بد من ترجمة القول الى فعل وذلك باتباع أوامره واجتناب ما نهى عنه، بذلك يكون قد أحبه فعلا، ومن كانت محبة الرسول في قلبه مقدمة على حب غيره من البشر، فإنه سينال الدرجات العلا من الفردوس، ويكون رفيقا للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فقد جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: “ما أعدتت لها؟” قال: “ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله” قال: “أنت مع من أحببت”.
ويسرد الزعبي أروع الأمثلة التي سطرها الصحابة بحروف من نور في حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث بذلوا الغالي والنفيس من أجله، ولا عجب ذلك؛ فمحبته خالطت بشاشة قلوبهم وسرت في عروقهم، وجرت في شرايينهم، وتشبعت بها أرواحهم، وسيطرت على أفكارهم، وها هو علي بن أبي طالب يصف حب الصحابة لرسول الله فقال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ.
وها هو أبو سفيان يصف حب الصحابة لنبيهم فيقول قومه : “ما رأيت في الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمدٍ محمدًا” وهذه إحدى الصحابيات من الأنصار، يُقتل أباها وأخاها وزوجها يوم أحد، فتسأل المقاتلين: ما فعل رسول الله؟ قالوا: خيراً هو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرينه حتى أنظر إليه. فلما رأته قالت: ” كل مصيبة بعدك جلل”.
–(بترا)