تأخر النطق لدى الأطفال يؤرق الآباء وعلاجه رهن تفرغهم
يتعرض العديد من الأطفال في سن الطفولة المبكرة لمشكلات مختلفة، تؤرق الآباء، ويبقى حلها في الوقت ذاته هو رهن وعيهم وتفرغهم لأبنائهم، ولعل أبرز هذه المشكلات والأكثر شيوعاً في سن الطفولة المبكرة هو تأخر النطق لدى الأطفال، والذي قد يكون أمراً عادياً يسهل تجاوزه بإجراءات بسيطة أو مؤشراً بوجود إعاقة سمعية أو اضطرابات في حاسة السمع تحتاج إلى علاج، أو الإصابة بالتوحد.
وأكدت مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم أنها تتيح خدمة تقييم الأطفال مجاناً للمواطنين والمقيمين في الدولة، وأن اختلاف لغة الآباء عن المربيات، وتعرض الطفل للغتين بصورة غير مدروسة وبشروط بيئية معينة يزيد من تأخر الطفل وتشتته.
ومن جانب آخر أكد أطباء وأخصائيين تخاطب على أن الاكتشاف المبكر لتأخر النطق يلعب دوراً محورياً في استجابة الطفل للعلاج، وأن تعريض الطفل المستمر للتليفزيون ومقاطع الفيديو على الهاتف يفقده مهارات التواصل البشري بما يؤدي لتأخر النطق لديه، محذرين من ازدواجية اللغة في مرحلة اكتساب اللغة ولاسيما على الأطفال الذين يعانون تأخراً في النطق، حيث تؤدي لزيادة مشكلاتهم ومعاناتهم فيما بعد من تلعثم وتأتأة.
عدد من الآباء الذين عانى أبناؤهم تأخراً في النطق طالبوا طرح خدمة في المستشفيات توفر استشارات لأولياء أمور الأطفال المتأخرين في النطق، وطالبوا بإعادة النظر في أسعار أخصائيي النطق ووضع معايير تضمن عدم استغلال وجود نقص في أعدادهم، داعين إلى تغطية تأمينية لجلسات التخاطب العلاجية ولو بشكل جزئي.
وفي المقابل أرجع مسؤولون عن مراكز تأهيل خاصة ارتفاع الأسعار إلى نقص عدد المتخصصين في مجال التخاطب بشكل عام والناطقين باللغة العربية بشكل خاص، مؤكدين أن المسألة تعود إلى وجود فجوة بين العرض والطلب.
تقييم مجاني
سدرة المنصوري، مديرة إدارة خدمات أصحاب الهمم في مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم أكدت أن المؤسسة تسعى جاهدة لتعزيز جهود الاكتشاف المبكر لمختلف الإعاقات، والذي يسهم بشكل كبير في نسبة الاستجابة العلاجية والتأهيلية، مشيرة إلى أن برنامج الكشف المبكر عن المواليد أصحاب الهمم في إمارة أبوظبي الذي تطبقه المؤسسة، ساهم منذ إطلاقه عام 2018 وحتى عام 2020 في الكشف عن 95 إعاقة متنوعة منها 13 إعاقة سمعية، منها 4 إعاقات العام الماضي.
وقالت: بعد مرحلة ولادة الطفل تُستكمل الجهود عبر برنامج «الطفل السليم» الخاص بشركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة» والذي يسعى إلى متابعة حالات الأطفال ومشاكل النطق والسمع بالتزامن مع تلقيهم التطعيمات والتي تتواصل حتى وصول الطفل لعمر 6 سنوات.
وأضافت: في حال ملاحظة الآباء تأخراً لدى الأطفال في النطق أو أنهم يعانون أعراضاً أخرى يجب عليهم عرضهم للتقييم من قبل المختصين لتحديد حالة كل طفل واحتياجاتها والخطة المناسبة لعلاجها، لأن الاكتشاف المبكر لحالات تأخر النطق وكذلك حالات التوحد يسهم بشكل كبير في الوصول إلى نتائج إيجابية سريعة، مؤكدة أن المؤسسة تتيح خدمة تقييم الأطفال مجاناً للمواطنين والمقيمين في الدولة، ويمكن التقديم عليها عبر الموقع الإلكتروني للمؤسسة.
وأوضحت أن تعريض الطفل المستمر للتلفاز والهواتف الذكية يؤدي إلى إصابته بـ «اضطراب التواصل»، مبينة أن الطفل قد يكون طفلاً طبيعياً إلا أن تعريضه لمحتويات مصورة بشكل متواصل يفقده الرغبة في التواصل ويؤدي إلى تأخير النطق لديه.
قياس اللغة
ومن جانبها أكدت حليمة علي الشميلي، أخصائي علاج نطق أول في مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، أن اكتشاف التأخر لدى الطفل يبدأ في وقت مبكر في مرحلة مهارات ما قبل اللغة والتي تتمثل في استجابة الطفل لتعبيرات الوجه بالضحك والابتسامة والخوف وحتى المناغاة والانتباه للأصوات، وقد يعود عدم اندهاش الطفل أو الانزعاج من الضوضاء والالتفات إلى الأصوات إلى مشكلة في حاسة السمع، وهنا على الأهل ضرورة مراجعة المختصين لإجراء فحص لحاسة السمع، وتحديد شدّته إن وجد.
وأكدت أهمية الاكتشاف المبكر لضعف السمع، قائلة: إذا لم يتم التعرف عليه ومعالجته يؤدي إلى تأخر الطفل في النطق وفهم الكلام، وبالتالي يتأخر تطوره في المراحل الدراسية، وهو ما قد يسبب له مشكلات أخرى كالعزلة الاجتماعية ومواجهة صعوبات نفسية، وعلى الآباء بدء ملاحظة وقياس اللغة التعبيرية للطفل من عمر عام وقياس تطوره في سن عام ونصف العام وسن عامين، وكذلك في حال تكلم الطفل كلمات طبيعية أو جمل واضحة ولكن في غير محلها أو بصورة غير وظيفية على الآباء مراجعه المختصين.
مربيات الأطفال
وتابعت: في مجتمعنا كثيرٌ من الآباء يعتمدون على «المربيات» للمعاونة على رعاية الأبناء وقد يكون للمربيات دور إيجابي في مساعدة الأطفال على النطق وقد يكُنّ سبباً في تشتت الطفل وتأخر النطق، موضحة أن اختلاف لغة الآباء عن المربيات، وتعرض الطفل للغتين بصورة غير مدروسة وبشروط بيئية معينة قد يزيد من شدة التأخر وتشتت الطفل، لذا ننصح دائماً باتباع تعليمات المختصين في حال تعرض الطفل للغتين لتحويل سلبياته إلى إيجابيات داعمة للتطور اللغوي للطفل.
وقالت: في هذا الإطار وفي حالة مراجعة ولي الأمر للمؤسسة والتأكد من وجود تأخر لدى الطفل واحتياجه لجلسات علاجية من قبل مقيم اللغة والنطق يتم الاتفاق مع ولي الأمر على اللغة التي سيتلقى الطفل بها جلسات التخاطب، كما يتم الاتفاق أيضاً على اللهجة بهدف أن يكون ما يتلقاه الطفل في الجلسات مطابق لما يتلقاه تلقائياً في المنزل.
وأشارت إلى أن العام الماضي وبالتزامن مع محاربة انتشار فيروس كورونا شهد تحسن حالات عدد كبير من الأطفال في بعض الأسر نظراً لتفرغ الآباء لهم وتطبيق التدريبات العلاجية في المنزل والبيئة المحيطة للطفل، في الوقت ذاته ظهرت حالات جديدة لتأخر النطق نظراً لانشغال الآباء عن أبنائهم خلال عملهم «عن بعد».
أعراض مختلفة
أما الدكتورة منى يسري الطبيبة النفسية والمستشارة العائلية والمديرة الطبية لأحد مراكز تأهيل الأطفال في أبوظبي فتقول، العديد من الأهالي يتركون أبناءهم أمام التليفزيون والهواتف ظناً منهم أن طفلهم حينما يرى مقطع فيديو عن الأرقام أو الحروف أو الألوان على سبيل المثال فهو يتعلم نطقها، إلا أنه وإن تعلم شيئاً فهو يفقد مهارات التواصل البشري بما يؤدي لتأخر النطق لديه.
وأضافت: تواصل تعرض الأطفال للتليفزيون والأجهزة الذكية لفترة طويلة يصيب الطفل بظاهرة تسمى «Jargon» حيث يتحدث الطفل ولكن كلمات ليست مفهومة وبلا معنى في محاولة لتقليد لما يسمعه في التليفزيون أو الهاتف، لذا نوصى أولياء الأمور بمنع مشاهدة الأطفال للتليفزيون ومقاطع فيديو على الهاتف ولاسيما الأطفال الذين يقل عمرهم عن 3 سنوات.
وأكدت أن اكتشاف ولي الأمر لتأخر نطق ابنه على عمر سنتين إلى ثلاثة وإخضاعه لتقييم وحضوره لجلسات علاجية يؤتي ثماره بصورة فعالة، أما الأطفال الذين يتراوح عمرهم من 3 إلى 5 سنوات تكون نسب استجابتهم لجلسات التخاطب مقبولة، وحينما يزيد عمر الطفل على 5 سنوات تكون استجابتهم للجلسات العلاجية بطيئة، مشيرة إلى أن العديد من المراكز التأهيلية للأطفال توفر ما يسمى بحضانة التدخل المبكر، حيث يتلقى الطفل جلسات التخاطب ويلتقي بأطفال آخرين ما يشجعوه على النطق في مكان واحد وهو ما يحقق نتائج أسرع.
الطفل الأول
أما الدكتور محمد وجدي، استشاري التأهيل التخاطبي والصحة النفسية، أكد أن الأسرة التي يكون لديها طفل واحد يصعب عليها اكتشاف تأخر النطق مقارنة بالأسر التي لديها أكثر من طفل والتي يسهل عليها ملاحظة تأخر نطق الطفل مقارنة بتطور أشقائه في السابق، وعلى الرغم من وجود فروق فردية إلا أن الطفل في عمر عام من المفترض أن يكون نطق كلمته الأولى وتتطور مهارات النطق والتحدث لديه إلى أن يتحدث جملة مكونة من كلمتين في سن العامين، يعبر خلالها عن رغباته واحتياجاته.
وأضاف: قد يكون الطفل طبيعياً ولكن يعود تأخر النطق لديه في بعض الحالات إلى أسباب بيئية كوجوده في عزلة اجتماعية وعدم اختلاطه بأطفال آخرين، وعدم خروجه إلى دور الحضانات وحضوره للقاءات أسرية وعائلية، وهو ما يسمى بالفقر البيئي ويؤثر في تأخره في اكتساب مهارات اللغة والتحدث.
وأكد أن ازدواجية اللغة في مرحلة اكتساب اللغة يعد أمراً خطيراً ولاسيما على الأطفال الذين يعانون تأخراً في النطق، وعلى الرغم من أن الطفل قد يكون ذا نسبة ذكاء مرتفعة إلا أن ازدواجية اللغة تؤدي لضعف تركيزه ومواجهته لصعوبة في التحصيل، وهو ما يؤدي لزيادة مشكلاتهم ومعاناتهم فيما بعد من تلعثم وتأتأة أو خوف وتردد في استخدام الكلمات، وعلى الرغم من إجراء فحوص اكتشاف الإعاقة السمعية لحديثي الولادة إلا أن الطفل قد يتعرض لعوامل خارجية لديه تؤثر في حاسة السمع كتعرضه لحادث أو أزمة صحية تؤثر في العصب السمعي، وهو ما يؤثر في تأخره في النطق.
عرض وطلب
الدكتور أحمد حسين استشاري طب الأطفال والمدير المسؤول عن أحد المراكز العلاجية لأصحاب الهمم في أبوظبي، أشار إلى أن كثيراً من أولياء أمور الأطفال الذين يعانون تأخراً في النطق يلجؤون إلى مصادر غير موثوقة في الحصول على المعلومات والنصائح للتعامل مع حالات أبنائهم منها مواقع الإلكترونية، ولا يكترثون لأهمية الحصول على معلومات موثقة من المصادر الطبية المتخصصة وهو ما يؤدي في بعض الحالات لتأخر حالات أبنائهم بشكل أكبر.
وأرجع ارتفاع أسعار الجلسات العلاجية لتأخر النطق في المراكز الخاصة إلى نقص عدد المتخصصين في مجال التخاطب بشكل عام والناطقين باللغة العربية بشكل خاص، قائلاً: المسألة تعود إلى وجود فجوة بين العرض والطلب، فالمتخصصون المتوفرون والمرخصون عددهم قليل وهناك زيادة في الطلب عليهم وبالتالي ترتفع رواتبهم فترتفع أسعار الجلسات على ولي الأمر بما لا يكون في مصلحة الطفل في نهاية المطاف.
ارتفاع الحرارة
وتقول والدة صاحب الهمة أبوبكر منذر، ابني حتى عمر 5 أشهر كان طبيعياً وكان يتطلع إلى المحيطين به ويلتفت للأصوات المختلفة، وبعدها ارتفعت درجة حرارته وأصيب بفتح في طبلة أذنه وتلقى العلاج الذي نصح به الأطباء آنذاك، إلا أنه مع عمر الـ9 أشهر قلت استجابته للأصوات بشكل ملحوظ، وتم تركيب سماعات لمساعدته ولكن مع وصوله عمر عامين لم يكن يتحدث كلمة واحدة.
وتضيف: بعد مرور 6 أشهر من جلسات أخصائيين التخاطب في أحد المستشفيات الحكومية في أبوظبي بدأ نطق الأحرف وكلماته الأولى، وبمرور الوقت والصبر تعلم النطق وعلى الرغم من أن عدد كلماته قليلة تمكن من تلقي التعليم بصورة طبيعية، واجتاز مراحل مختلفة من المراحل الدراسية دون اللجوء للغة الإشارة.
ضمان صحي
إلى ذلك يقول أحمد سليمان ولي أمر الطفلة مارية: اكتشفنا بعد ولادة ابنتي وجود فتحة في سقف حلقها وأجرينا عملية جراحية لقفلها مع إتمامها عمر 3 سنوات، وبعد إجراء العملية بفترة كانت نتيجة تخطيط نسبة السمع لديها 60% وكانت تحتاج لتأهيل وجلسات تخاطب وتركيب سماعة، وكان عدد الجلسات المتاح بالمستشفيات التي تقدم هذه الخدمة محدود يفي باحتياجات ابنتي لقلة الكوادر المؤهلة الناطقة باللغة العربية. ويضيف: ألحقتها بأحد المراكز المختصة وكانت تكلفة تلقيها للجلسات سنوياً 40 ألف درهم وهو ما كان يفوق قدراتي المالية، فلجأت لأحد المؤسسات الإنسانية التي ساعدتني بنصف المبلغ وكان تحسن مهارات النطق والتحدث لديها ملحوظاً، ولكنني لم أستطع مواصلة إلحاقها بالمركز.
وطالب بوجود تغطية تأمينية لجلسات التخاطب العلاجية التي يحتاج إليها الأطفال المتأخرون في النطق من أصحاب الهمم، قائلاً: شركات الضمان الصحي لا تغطي تكلفة الجلسات العلاجية ولا تغطي كذلك توفير سماعات الأذن التي يحتاج إليها ضعاف السمع.
استشارات للآباء
وتقترح هبة محمد، طرح خدمة في المستشفيات توفر استشارات لأولياء أمور الطلاب المتأخرين في النطق لأسباب بيئية وتقول: ابنتي والعديد من الحالات تأخروا في النطق لأسباب غير مرضية ويكفي حينها تثقيف ولي الأمر وتوعيته بدوره تجاه طفله ليتخطى مرحلة التأخر.
وقالت: تأخرت ابنتي الكبرى في النطق بصورة أزعجتني وكان ذلك ملحوظاً عند بلوغها سن عامين ونصف العام، فكانت كلماتها محدودة، ومع فحص السمع تم التأكد من أن حاسة السمع لديها قوية وأرجع المختصون تأخرها في النطق إلى تعرضها الدائم للتليفزيون وأغاني الأطفال على هاتفي، وبعدها خضعت ابنتي إلى ثلاثة جلسات تخاطب أسبوعياً لمدة 3 أشهر وكان سعر الجلسة الواحدة يكلفني 300 درهم، ومدتها نصف ساعة فقط وفي نهايتها يكلفني الأخصائي بالمهام الأكبر، لذا أرى أن تثقيف الآباء ومنحهم استشارات في المستشفيات بديلاً كافياً في الحالات التي يقل سن الطفل فيها عن 3 سنوات ولا يعاني مشاكل سمعية أو أعراض اضطراب طيف التوحد.
40 ألف درهم سنوياً جلسات التخاطب
عبد الرحيم آل علي رئيس مجلس إدارة جمعية كلنا مع أصحاب الهمم، يؤكد أن علاج تأخر النطق لدى الأطفال في الدولة ترتفع تكلفته بشكل كبيرة، وأنه يفوق طاقات أولياء الأمور المالية ولاسيما أبناء المقيمين في الدولة، بما يؤثر بشكل سلبي في الأبناء وعدم تلقيهم الجلسات الكافية التي يحتاجون إليها. ويقول: المراكز التي تقدم خدمات جلسات التخاطب للمتأخرين في النطق سواء لأصحاب الهمم أو للمتأخرين في النطق بشكل عام، تقدمها بأسعار تتراوح ما بين 40 أو 50 ألف درهم سنوياً، على أن يتلقى الطفل بهذه التكلفة 4 جلسات أسبوعياً، لذا نطالب بإعادة النظر في أسعار أخصائيي النطق ووضع معايير تضمن عدم استغلال وجود نقص في أعدادهم، وأن تسعى الجهات المعنية بزيادة هؤلاء المتخصصين في أقرب وقت بما يصب في مصلحة الأبناء.
المصدر : الراي الاماراتية