منوعات

“نضطر نعيِّد بعدين”.. مهن يصعب على أصحابها الحصول على إجازة العيد

حيثُ دكانٌ يعمل فيها أحدهم قرابة نصف ساعات يومه، مثله شابٌ يتجول بين الزبائن في “المول” ساعيا لخدمتهم، ويتشابه الحال عند آخر في مخبز يصنع مخبوزات العيد الطازجة للناس، وعلى الناصية الأخرى ممرضةٌ لم ترتدِ إلا بياضاً وتجدها عاكفةً على صحة المرضى حتى ساعات متأخرة من ليل العيد بين أروقة المستشفى.
وثمة سائق خلف مقود سيارته يجوب طرقات المدينة؛ بحثًا عن المحتفلين بالعيد والزائرين لأرحامهم، ووسط أولئك ترى مصورًا يوثق بهجة العيد وتفاصيله، وآخر ينقلها عبر الأثير أو أمام الشاشة.
من خلف مكتب البائع “عاصم”، وتجول الشاب “إبراهيم” في المول، وإجهاد “عرب” من وراء الفرن، وعن مساء “هناء” في المشفى، ومقعد سيارة “عارف”، وتغطية “أحمد” الإعلامية، تستمع “وكالة سند للأنباء” لتجربتهم الخاصة في أجواء العيد بقطاع غزة، فهم ينتمون لمهنٍ يصعب على أصحابها الحصول على إجازة العيد.
بين “الدكان” و”المول”
لم يجتمع الشاب عاصم شحادة، منذ 8 أعياد مضت مع شباب عائلته وأهله عند ذهابهم لزيارة رحمهم صبيحة اليوم الأول في العيد، مستبدلًا ذلك بجلسته خلف مكتب البيع بالدكان التي يعمل بها منذ 4 سنوات، ويداوم فيها طيلة أيام العيد بأوقات مختلفة.
يقول “عاصم”: “بعدما تقضي العائلة كلها زيارات العيد بأول يوم، أبدأ أنا بتجهيز نفسي للزيارات لكنّ وحدي، دون اللّمة”.
ويقرُّ أن الزيارات الجماعية خاصة في يوم العيد، لها “بهجة مختلفة عن دخلة الواحد لوحده مثلي”، لكنّ لا خيار آخر “هذا رزقي ومضطر للدوام في اليوم الذي من المفترض أن يكون عطلة رسمية”.
يحاول “عاصم” التخفيف من وطأة شعوره، مستدركًا: “عندما أرى فرحة الأطفال الذين يترددون للشراء بملابسهم الجديدة، أتحسس جو العيد وحينها ترتسم على ملامحي ابتسامة عفوية”.
وبحالٍ يتشابه مع “عاصم”، يصف الشاب إبراهيم مطير الذي يعمل بأحد المولات منذ سنيتن، دوامَه الذي يقارب 10 ساعات في كل أيام العيد وسط حركة كثيفة للناس والأطفال، والازدحام المتزايد، وضغط العمل بـ “المرهق جدا”.
ويحكي: “أنا أفقد الكثير من أجواء العيد، وأعاني من ترتيب مواعيدي وعادةً أؤجل غالبية الزيارات العائلية أو أضطر لإتمامها بوقتٍ قصير، بحكم ساعات العمل الطويلة التي تزيد أحيانًا عن 13 ساعة”.
وعن بعض ما يخفف عنه ضغط دوام العمل الطويل بالعيد، يحدثنا “إبراهيم” عن زملائه الذين يفرغون عن أنفسهم بقليل من المزح، “أقل ما فيها نحس بشوية بهجة تحاول تسد مكان لمّة الأهل، اللي ما بتتعوض”.
“نضطر نعيِّد بعدين”..
ومنذ 12 عاماً، تختلط أجواء أيام العيد، بلهيب فرن المخابز حيثُ يعمل الشاب عرب ريان، الذي يصف طبيعة عمله بـ “الروتيني، والمُفقِد لكثير من تفاصيل بهجة المواسم الدينية والاجتماعية، كالأعياد”.
عرب” الذي لم يشهد أجواء العيد في منزله على مدار 24 عيدًا متتاليًا، يُشير إلى أن العمل في المخابز لا يعرف للإجازات طريقاً، وبالعيد يمتد عملهم لـ 12 ساعة يوميًا، وموزعة على فترات صباحية وأخرى مسائية، ما يحرمه زيارة الأهل مع تجمع الشباب بالعائلة.
ومن واقع تجربته يقول “أمثالنا ممكن لبعد العيد نضطر نعيِّد” مستطردًا: “نعود إلى منازلنا منهكين بعد يومٍ شاق، وعلينا أخذ قسطٍ من الراحة لمواصلة العمل في اليوم التالي، ما يضطرنا أحيانًا لتأجيل الزيارات لبعد العيد، أو إذا قضيناها لا تكون مشجعة ولا تُشعرك بجو الفرح واللّمة كثيرا لأنك وحدك”.
سرقة البهجة..
ستقضي الممرضة هناء سليمان أول أيام هذا العيد بالمشفى، بدوام عمل 12 ساعة، وهو ما أصبح ديدن أعيادها منذ عام 2013 لطبيعة عملها بالتمريض، وسيكون نصيبها هذه المرة أن تداوم ليلا.
وتصف “هناء” عملها بالعيد بـ “السارق، الذي يسرق وقتا وبهجة لا تعود”، “فمثلا دوام الفترة المسائية ليلة ثبوت العيد، تحرمك من صلاة العيد بالمسجد، ومن ثم الاحتفال به مع العائلة باكرًا”، وليس بأفضل منه دوام الفترة الصباحية حيتُ الساعة السابعة صباحًا “فالفرحة بلّمة العائلة في الفطور الأول بعد شهرٍ من الصيام تختفي”.
وفي سؤالنا عن أيام الإجازة بالعيد، تُجيبنا: “قد نأخذ إجازة حسب طبيعة جدول طاقم العمل، لكن في المقابل علينا أن نداوم يوما واحدا على الأقل بالعيد”، علمًا أنهم يحصلون على إجازاتهم بأثر رجعي، بعد انتظام العمل.
بيوصلني العيد متأخر”..
منذ 20 عامًا، يتجول السائق عارف النمر بسيارته طيلة أيام العيد في الشوارع، ناقلاً الركاب لأماكن زيارات أهلهم، والبعض الآخر لأماكن الاحتفال بالعيد.
“قبل جلوسي مع أحبابي في زيارات العيد، أجلس وراء كرسي السيارة لساعات”، هكذا يبدأ صباح كل أول عيد مع “عارف”، الذي يخبرنا بأن هذه الأوقات تمثل ذروة ضغط وانشغال بعمله، ما يضطره للعمل بساعات متزايدة فيها.
بعد تنهيدة تُصاحبها ابتسامة رضا يُعقب: “تقريبًا أحسّ بأن العيد بيوصلني متأخر، فأنا أعود إلى بيتي وأولادي عندما تخف حركة الناس في الشارع، لكن لا خيار آخر أمامي، فهذا مصدر رزق وعلينا السعي خلفه”.
ويُعرج “عارف” في معرض حديثه على “المزاج الحلو” للركاب قائلًا: “ربما ما يُخفف عنّي في العيد ويجعلني أتذوق بعضًا من البهجة، هو رواق الركاب وأحادثيهم التي لا تخلو من مواقف العيد المرحة”.
“بعيّد مع معداتي أولًا”..
وبين متجول آخر، لكنه هنا بين الأحداث والعمل الإعلامي، يخبرنا الصحفي أحمد قديح، عن طبيعة عمله بدوام العيد، واضطراره لترتيب مواعيده بناءً على ساعات العمل الصباحية أو المسائية.
ويصف “أحمد” عيد الصحفيين بـ “الترقب” لأنه حتى لو لم يكن عليك دوام، فقد يأتيك اتصال ما من مديرك لتغطية حدث ما أو مساعدة زميل آخر في نقل أجواء العيد.
ويسرد “أحمد” أجواء العيد لديه: “الناس تعيشها مع أهلها وأحبابها قبل أي أحد، أما أنا فطبيعة عملي تُجبرني لأن تكون معايدتي أولًا مع معدات الشغل، وهذا قد يترتب عليه أحيانا تقصير دون قصد في صلة الرحم، وتأخيرها”.
وفي محاولة لخلق بهجة العيد، يحرص ضيفنا كما زملائه على “إحضار حلويات العيد التي تعدها أمهاتهم وزوجاتهم، معهم إلى أماكن العمل، وتبادل أطراف الحديث بجوٍ من المرح، ما يشعرهم بالعائلة وبدفء الأجواء ولطفها”، وفق تعبيره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى