ثقافة وفنون

عددها أربع.. تعرف إلى المدن الإمبراطورية في المغرب

تتيح المدن الإمبراطورية لزائرها اليوم السفر عبر الزمن، وتمكنه من اكتشاف حضارة وثقافة وتاريخ وتراث غني ومتنوع. بصمتها السلالات الحاكمة بطابعها، وخلدت فيها بصمة من تاريخ التوسع الإمبراطوري للمغرب خصوصا في العصر الوسيط، عبر إنشاءات عمرانية وعسكرية من قلاع وقصبات وأسوار وأبواب وقصور ومساجد ودور علم وجامعات.
الرباط- 4 مدن في المغرب هي اليوم نقاط جذب سياحي، ومدنها العتيقة ضمن قائمة التراث العالمي، وتعتبر من المدن الكبرى ذات الإشعاع الثقافي. تختزل تاريخ السياسة والعمران والإنسان، وتختزن بين جدران قصورها ومدارسها وجوامعها أهم محطات الدولة المغربية في العصر الوسيط والحديث.
المدينة الإمبراطورية -أو الملكية- هي مدينة كانت في فترة من تاريخ المغرب عاصمة لسلالة من السلالات التي تعاقبت على الحكم. في المغرب توجد 4 مدن إمبراطورية هي: الرباط وفاس ومكناس ومراكش، انتقلت العاصمة بينها على مرّ أكثر من ألف عام منذ تأسيس دولة الأدارسة.
تتيح المدن الإمبراطورية لزائرها اليوم السفر عبر الزمن، وتمكنه من اكتشاف حضارة وثقافة وتاريخ وتراث غني ومتنوع. بصمتها السلالات (الأدارسة، والمرابطون، والموحدون، والوطاسيون، والمرينيون، والسعديون، والعلويون) الحاكمة بطابعها، وخلدت فيها بصمة من تاريخ التوسع الإمبراطوري للمغرب خصوصا في العصر الوسيط، عبر إنشاءات عمرانية وعسكرية من قلاع وقصبات وأسوار وأبواب وقصور ومساجد ودور علم وجامعات.
فلا تذكر مراكش دون المرابطين، ولا مكناس دون المولى إسماعيل العلوي، أما فاس فتحتفظ لنفسها بلقب أول عاصمة، ووسم العلم والعلماء، والرباط تمتد جذورها إلى الفينيقيين والموحدين لتغدو عاصمة العصر الحديث في ظل العلويين.
يعتبر المؤرخ والمفكر السياسي المغربي محمد جبرون -في حديثه للجزيرة نت- أن ما يميز المدينة العاصمة -أو هوية عاصمة- هي رموز الدولة، كالقصور والقصر السلطاني، والجامع الكبير أو المسجد الذي شكل رمزا من رموز الدولة السلطانية في العصر الوسيط، وثكنات الجيش والمرافق العمومية، بالإضافة لكونها مستقر النخب السياسية والإدارية والعلمية والفنية.
تناوب بين مراكش وفاس
إلى عهد العلويين، وتحديدا عهد المولى إسماعيل، بقي التناوب في العاصمة وتبادل القوى بين مدينتي فاس ومراكش، وتوجدان في الداخل (بعيدا عن السواحل).
ويوضح أستاذ التاريخ محمد أقديم -للجزيرة نت- أن المغرب ظل مرتبطا بالداخل وبالخطوط التجارية إلى مرحلة الحماية.
وعن محددات اختيار العاصمة، أفاد أقديم بأنها تتمثل في ظروف الاستقرار والقرب الجغرافي من نقط انطلاق السلالة الحاكمة وتمركز قوتها، وسبق الولوج للمدينة، مشيرا إلى أن التناوب بقي بين مراكش وفاس لكل السلالات إلى عهد الدولة العلوية.
ويفيد محمد جبرون أن مدينة فاس أسست لتكون عاصمة دولة، وشكلت عاصمة للدولة المغربية لفترة طويلة، حيث اختارها الأدارسة بعد أن ضاقت بهم مدينتا وليلي وزرهون، وأخذت هوية عاصمة منذ بدايتها الأولى.
ويرجع تاريخ تأسيس مدينة فاس إلى نهاية القرن الثامن الميلادي، حين مجيء المولى إدريس الأول إلى المغرب سنة 789، حيث بنيت النواة الأولى للمدينة، وفي سنة 808 للميلاد أسس إدريس الثاني مدينة جديدة.
وبقيت فاس عاصمة للأدارسة (807–926)، واستمرت مع الإمارات قبل ظهور دولة المرابطين، وعادت لتكون عاصمة المغرب في العهد المريني (1248-1465)، وأيضا حتى لدى بعض السلاطين العلويين (1666-1672 و1727-1912).
أما مراكش، فبدأت أيضا عاصمة للمرابطين، وتحدد المصادر التاريخية أن بناء النواة الأولى لمراكش كان سنة 1070 للميلاد من قبل المرابطين.
وتطورت تحت حكم السلطان يوسف بن تاشفين (1061-1107) إلى حد كبير في أفريقيا والأندلس، لتصبح المركز السياسي والثقافي للغرب الإسلامي.
يرى محمد أقديم أن المرابطين انطلقوا من الصحراء واستقروا بأغمات في البداية، بحثا عن شروط أقرب إلى ظروفهم. ويعتبر المتخصص في تاريخ المرابطين أن مراكش شكلت عاصمة أكبر إمبراطورية عرفها المغرب على مرّ التاريخ (1070-1147 للميلاد)، حيث تم خلالها توحيد المغرب كجغرافيا ومذهب. ويذهب أقديم إلى القول إن الدولة المرابطية هي من أسس بنية ومفاهيم الدولة المغربية الحديثة.
بقيت مراكش عاصمة لما يقرب من 3 قرون، حيث استمرت مع الموحدين (1147-1269)، وتحكمت في مجال جغرافي وصل حد برقة بليبيا، والسعديين فيما بعد (1554-1659). وارتبط اسم المغرب باللاتينية بها (ماروك/مرويكوس/موروكو).
مكناس والرباط عواصم علوية
وعلى عكس مراكش وفاس التي شهدت تعاقب الملوك والسلاطين من سلالات مختلفة، امتازت الرباط ومكناس بكونهما عاصمتان علويتان.
وتأسست مدينة مكناس عام 711 من طرف قبيلة مكناسة الأمازيغية، ومنها تستمد اسمها، وأصبحت عاصمة للمغرب في عهد المولى إسماعيل (1672-1727)، وعرفت أزهى فترات تاريخها.
تقع مكناس في ملتقى الطرق التجارية التي كانت تربط بين عدة جهات، مما جعل منها منطقة عبور واستقرار منذ عهد قديم.
يقول أقديم إن العلويين انطلقوا من تافلالت مع محمد الشريف الذي ذهب في اتجاه الشرق والشمال، وكانت فاس أول مدينة سقطت في أيديهم. ويضيف المؤرخ أنه مع المولى إسماعيل، اشتد عود الدولة العلوية واتخذت من مكناس عاصمة لها.
وبقيت مكناس عاصمة طوال حكم المولى إسماعيل الذي امتد نصف قرن، ولقبت “بالمدينة الإسماعلية”. ومع السلطان عبد الله بن مولاي إسماعيل (ابن خناتة بنت بكار)، انتقلت العاصمة مجددا لمراكش، واستمرت مع محمد بن عبد الله محمد الثالث، ثم تحولت مع عبد الرحمن بن هشام نحو فاس، وبقيت إلى عهد الحماية التي وقعها السلطان عبد الحفيظ.
أما الرباط التي أسسها الموحدون قلعة عسكرية، فانتقلت لها العاصمة خلال الفترة الاستعمارية 1912، ويفسر أقديم ذلك بأن المرحلة كان فيها تعامل مع الخارج، وبالتالي نقلت العاصمة إلى مدينة ساحلية لأول مرة في تاريخ المغرب.
وبدأت الرباط عاصمة علوية مع السلطان يوسف، وبقيت العاصمة فجر الاستقلال، وتعاقب عليها الملوك محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس حاليا الذي تحولت معه الرباط إلى عاصمة أنوار تعرف إشعاعا ثقافيا وتوسعا عمرانيا وعصرنة.
المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى