ثقافة وفنون

أنتيكة من خشب : فن بدفقة إبداع تفيض حياة

22 الإعلامي-  بشرى نيروخ- مثل عازف يمسك فراس الطوباسي بيسراه طرف قطعة الخشب فتطبق عليها يمينه بأداته التي تنتج فناً يُحيل الخشب إلى انتيكة عتيقة يعالجها كما يعالج لوحته تشكيلي بارع.

تبدو موهبة الطوباسي ربانية محفوفة بروح مبدعة خصوصا وانه لم يخض غمار النجارة وفنونها يوما، لافتا إلى أن الفنون تتقاطع جُلها إذا ما اجتمعت في الإنسان دفقة الإبداع وتقنياتها الروحية قبل أن تكون مكتسبةً.


شغف فن الانتيكة كما يحلو للطوباسي أن يصفه، قادته له الأقدار منذ عشر سنوات أحال خلالها الخشب إلى مشغولات عتيقة استوحاها من الموروث العربي الغني بمضامينه، ولا بأس إن شملت تحفه تقليد التصاميم التقليدية لبعض السيارات والحافلات التي يُنيرها بجهاز كهربائي يشبه ذاك الذي صممته في غابر أزمانها الشركات الصانعة لسياراتها بأثاثها الجلدي القديم.

يُصرُّ الطوباسي على أن يكون لمشغولاته رائحة الخشب، إذ تحكي كل منها قصة من الماضي، يستغرق إنجاز القطعة الواحدة وقتا يمتد من يومين إلى نحو شهر، مشيرا الى أن عمله يستمر ثماني ساعات يوميا.


ويضيف أن هذا النوع من الفنون لا يجيده إلا قلّة في المملكة، فيما وصلت بضاعته إلى أرجاء الوطن العربي، وهو في ذات السياق، يسعى إلى تطوير وتجويد ما بين يديه في مسعى لانتشار اكبر وأوسع ابتدأت فكرة تحويل الخشب إلى أنتيكة لدى الطوباسي حين صمّم كراسي وأرجوحة على سطح بيته، فنالت إعجاب كثيرين حوله فكانوا بمثابة الحافز الأول للسعي في هذا المجال، فأفرد لمشغولاته صفحة متخصصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حظيت باهتمام واسع.
يساور الطوباسي حلم بين الفينة والأخرى يسعى لتحقيقه عبر الحصول على دعم ييسر به توسعة مشروعه، والسعي قدما لتدريب الشباب في هذا المجال تمهيدا لتشغيلهم.

الخشب عصب التصميم الداخلي يقول أستاذ التصميم الداخلي في جامعة العلوم الإسلامية الدكتور أحمد عبيدات لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن الخشب يعد العنصر الأكثر حميمة ودفئاً في معظم الفراغات الداخلية، وهو الأقرب للنفس والأكثر إثارة للذكريات، فبدونه يفقد الأثاث بهجته، فهو يمنح الفراغ طابعا مميزا ويتناسب مع جميع أنماط وطرازات التصاميم ويتسم بالمرونة في التشكيل ويمكن استغلاله في طرق مختلفة من أثاث وجدران وأرضيات، ومقاومته للرطوبة والعوامل الجوية وغيرها.

ويبين أن الحرف اليدوية تعتبر أحد أهم ثوابت التراث العريق، والتي لا يمكن نسيانها على مر العصور والزمان، كونها تميز خصوصية المجتمعات العربية وتشكل هويتها، حيث تتنوع الحرف اليدوية ما بين أعمال خشبية والمنسوجات ومشغولات زجاجية وغيرها، والتي تشغل مساحة واسعة من التراث.

ويعد مجال الحرف اليدوية الخشبية من أهم المجالات التي يستطيع المصمم من خلالها تأكيد هذا التراث وتطويره واستمراريته من خلال دمج أصالة إرث الحرف الخشبية ومعاصرة التصميم، بحسب عبيدات.

ويعتبر عبيدات أن فن الحفر على الخشب من أقدم الفنون الجميلة في التاريخ، بدأ به الإنسان منذ العصور القديمة، وقد زين العثمانيون الأبنية المختلفة بالأجزاء الخشبية سواء كانت حفرًا على الخشب أو نقشًا عليه أو تلوينه؛ وذلك مثل منابر المساجد والصناديق وحوامل المصاحف وصناديق الملابس، والخزائن، والكراسي، كما استخدم فن الحفر على الخشب لتشكيل رسومات هندسية جميلة.


وعن قيمتها الجمالية والوظيفية، يوضح عبيدات أنه ما زالت الثقافة العربية المميزة تتمتع بالحيوية والتطور والتفاعل مع العصر، وهي ثقافة راسخة ومستمرة تظهر في مجالات كثيرة مثل الملابس العربية الأنيقة والأطعمة العربية المحببة، وعادت منتجات الحرف اليدوية الفنون التراثية إلى صدارة المشهد الثقافي في العديد من المدن العربية.

ويدعو عبيدات إلى الاهتمام وإحياء الحرف التقليدية ولا سيما الخشبية والتي مر عليها زمن طويل، كونها تعكس ثقافتنا وتاريخنا، وتحمل في طياتها عبق التاريخ، فهي تمثل الحاضر والمستقبل الذي يعبر عن هويتنا وتراثنا.

وحول التصاميم الداخلية الحديثة، يوضح أنه يتم العمل على إضافة مثل هذه المقتنيات التي تربط الإنسان بماضيه وتراثه، مبينا أن التواصل بين التراث والمعاصرة يعطي النتاج التصميمي قيمة تعبيرية تكمن في ارتباطه بالمعاصرة وقيمتها الحضارية التطورية، وفي ارتباطه بالتعبير عن الهوية من خلال التراث.

ويلفت عبيدات إلى أن الحرف اليدوية الخشبية تعد من أهم الموروثات التي تميز خصوصية المجتمعات العربية والتي يجب الحفاظ عليها و تطويرها، وبالرغم من تواجدها منذ القدم.

ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور قاسم الحموري، إن الاقتصاد الأردني يعاني من بطالة، في ظل سوق عمل غير قادر على استيعاب الخريجين، وتأمين وظائف لهم.

وتكشف دائرة الإحصاءات العامة عن أن نسبة البطالة وصلت للربع الأول من العام الحالي نحو 22.8 بالمئة.

وفي هذا يدعو الحموري إلى التشغيل، تخفيفا لمشكلة البطالة، بحيث يعمل الخريج أو العاطل عن العمل نفسه في مشاريع صغيرة أو متناهية الصغر.

ويستطرد حديثه قائلا: إن الاقتصاد مثلما هو مشبع بالوظائف، فهو مشبع أيضا بالمشاريع التقليدية، داعيا إلى إيجاد الابتكارات في المشاريع، من خلال التفكير خارج الصندوق، إذ تكون فرصة النجاح حينها أكبر.

ويدعو الحموري إلى إيجاد المشاريع الابتكارية التي من شأنها أن تؤدي إلى إحلال المستوردات الخارجية، بمستوردات محلية ناجحة وقليلة الثمن.


ولضمان نجاح واستدامة للمشاريع، يلفت إلى أنه لا بد من تسويق السلع والمنتجات إلكترونيا بطريقة ذكية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لضمان انتشارها بشكل أكبر وأوسع.

(بترا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى