محليات

عام 2022 .. التماعات مدن أردنية في فضاءات الإبداع والأصالة

يشهد عام 2022 التماعات مدن أردنية؛ إربد ومأدبا والسلط، في فضاءات الثقافة والحضارة بكل جماليات تجلياتها الإبداعية والتراثية والإنسانية؛ لتعكس عمق الهوية الأردنية المتكئة على ماض مكلل بالفخار وحاضر يحمل في طياته آفاق مستقبل واعد وزاخر بالإنجاز.
والاردن الذي يمتطي صهوة المجد يسجل بحروف من ذهب، انثيالات ثقافة وتاريخ وحضارة مدنه؛ إربد والسلط ومأدبا .. مدن أردنية تتوج لعامي 2021- 2022 عربيا وعالميا، أيقونات تزخر بالابداع الانساني المتأصل عبر التاريخ بوصفها موئلا للثقافة والفنون والتراث والحضارة والعيش المشترك وقبلة للسياحة، ولتحمل هويته الثقافية والتراثية والحضارية ويسطع شعاعها إلى العالم بحضورها المنتشي بعبق الأصالة على امتداد ضجيج حركة الحقب والعصور، بعد أن تم اختيار إربد عاصمة للثقافة العربية 2022، ومأدبا عاصمة للسياحة العربية 2022، والسلط على قائمة التراث العالمي “مدينة التسامح والضيافة”2021 وهو العام الذي شهد احتفالات مئوية تأسيس الدولة الاردنية الحديثة.

  • إربد “أرابيلا”، الاقحوانة وعروس الشمال.. عاصمة للثقافة العربية 2022مدينة إربد مركز المحافظة التي تحمل اسمها، تستعد للاحتفال بها عاصمة للثقافة العربية لعام 2022 بعد اختيارها من قِبل منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (اليونسكو)، والذي جاء بعد ترشيحها من قبل وزارة الثقافة، وتمت الموافقة عام 2016 على أن تكون إربد عاصمة للثقافة العربية عام 2021 وأُجّلت للعام 2022 بسبب جائحة كورونا. ومن المقرر أن تبدأ الاحتفالات بعد عيد الفطر المبارك، حيث تجري التحضيرات والترتيبات لإخراج الافتتاح وما سيعقبه من فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بصورة مميزة تعبر عن هوية إربد الثقافية، ويرفدها الاحتفاء بابن المدينة شاعر الاردن “عرار” مصطفى وهبي التل، كرمز للثقافة العربية لعام 2022، وفي سياق تسليط الضوء على الإرث الثقافي والتاريخي الكبير سواء للأردن كدولة أو لإربد كجسر للحضارات.
    يُذكر أنّ عمّان اختيرت عام 2002 لتكون عاصمة للثقافة العربية، وبذلك تكون إربد المدينة الاردنية الثانية التي تحظى بهذا التكريم. ومدينة إربد تحيط بها السهول الزراعية الخصبة من جهاتها الشمالية والشرقية والجنوبية، تعد ثاني اكبر محافظة اردنية بعدد السكان، وتقع على بُعد نحو 75 كيلومتراً شمالي العاصمة عمّان.
    والمدينة التي تقع في شمالِ غربِي المملكة، في وادي وحوض نهر الأردن، تعتبر جزءاً من امتداد سهول حوران، ما أكسبها طبيعتَها السهلية الساحرة، ومنحها تفرداً وجمالاً فطرياً، كما أنها ذات ثراء بالأماكن الاثرية والتراثية السياحية والدينية الزاخرة بالحضارة والتّاريخ.
    ويعود تاريخ اربد، التي بحسب بعض الدراسات عرفت استيطانا بشريا قبل نحو خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، الى العصر الحجري والبرونزي الأول نحو3000 إلى 2500 قبل الميلاد، وكانت المدينة القديمة محاطة بسور ضخم بُني من حجارة سوداء بازلتية، وقد وجد فيها مغائر من العصر الروماني وبركة ماء رومانية قديمة.
    خضعت إربد كأي مدينة مجاورة في المنطقة للحكومات المتعاقبة على بلاد الشام، فعاصرت دولة الأدوميين والعموريين، كما خضعت للحكم اليوناني بعد فتوحات الاسكندر سنة (333 ق.م) وقد ساعدت إعادة تعمير المدينة اليونانية على وضع أسس الحلف التجاري (الديكابوليس) الذي تكون من عمان (فيلادلفيا) وجرش(جيرازا) وبيسان وإربد(ارابيلا) وبيت راس (كابيتولياس) ودرعا (درعي) وبصرى وأم قيس (جدارا)، بالاضافة الى مرحلة الغساسنة، وميزتها الحضارات الإغريقية والرومانية والإسلامية التي تركت كنوزا من الآثار والمواقع الأثرية والتاريخية، وتضم آثارا تدل على ذلك، وقد احتلها الآشوريون والفراعنة والبابليون والفرس والعثمانيون وغيرهم .
    وبنيت إربد وكانت تسمى “أرابيلا” في العصر الروماني، في موقع متوسط بين مُدن حلف الديكابولس العشرة التاريخية، وأصبحت فيما بعد مركزاً من مراكز الفتح الإسلامي، وتختلف الروايات عن تسمية المدينة “ارابيلا”، إذ ثمة رواية تقول بأن الاسم آشوري أُطلق على المدينة بعد احتلال الملك تغلات بلاصر الثالث لها.
    وتقول دائرة المعارف الإسلامية: “ليس ببعيد أن تكون الأماكن المسماة أرابيلا وأربيل وإربد الواقعة خارج آشور قد ابتناها أهل أربلا الآشورية باسم مدينتهم”، وفي رواية أخرى فإن أصل اسم أرابيلا هو كلمة رومانية تعني (الأسوَد)، وقام الرومان بتبديل اسمها إلى “أربيلا”، وهو الاسم الذي يشبه تسمية اليونان لها، و”أرابيلا” تعني الأرض الخصبة، وفي رواية اخرى يقال أن اسمها الحالي ليس إلا تحريفًا لاسم البلدة الرومانية القديمة بيت أربل، أو أنه لفظ مشتق من كلمة (الرُبدة)؛ وذلك يعود إلى لون تربة الأرض الحمراء المصحوب بسواد الصخور البركانية المنتشرة في محيط المدينة. وبحسب الروايات سميت بالأقحوانة؛ نسبة إلى زهرة الأقحوان، الزاهية رائعة الجمال، التي تنبت بكثرة فيها، وورد ذكر مدينة إربد في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي، وكان لها أهمية كبيرة في التاريخ الإسلامي والعربي، ودور كبير في معارك المسلمين الحاسمة في اليرموك وحطين.
    وتعد بلدية اربد أول بلدية تشكلت في شرقي الأردن أيام العهد العثماني، إذ يرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 1880 حينما اصدر الوالي العثماني احمد حمدي باشا فرمانا تم بموجبه تشكيل اول مجلس بلدي(قومسيون)، ثم جرت انتخابات وتشكل المجلس البلدي ورئيسه وفقا لها عام 1883، وكانت مركزا لقضاء عجلون العثماني، التابع للواء حوران/ ولاية دمشق، ومع تأسيس الدولة الاردنية الحديثة عام 1921 بدأت المدينة بالازدهار والتطور والتحديث حتى أصبحت تضم العديد من المعالم الحضارية والعلمية، وتوجد فيها مكتبة تعد من أكبر المكتبات في المنطقة العربية وهي المكتبة الحسينية في جامعة اليرموك. وتتميز اربد في بيوتاتها ومعالمها التراثية القديمة ومواقعها الأثرية، علاوة على حضورها الثقافي والفني الذي يعود الى اكثر من قرن؛ إذ شهدت المدينة في منتصف العشرينيات من القرن الماضي، اولى دور السينما في الاردن أطلق عليها صالة البترا، واحتوت على ماكينة عرض تعمل على البطاريّة، حيث يجلس المشاهدون على الأرض، ثم تم بناء سينما الزهراء في أواخر العشرينيات وافتتاحها بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، علاوة على العديد من المبدعين الرواد الذي خرجو من رحم المدينة وأطرافها، ومنهم عراروأديب عباسي. ويقول عضو اللجنة الثقافية في الاحتفالية الروائي هاشم الغرايبة لوكالة الانباء الاردنية(بترا)؛ “اربد ارض القمح والزيتون تمتد هضابها ما بين حرمون وجبال عجلون، وتشير آثارها الى حضارة امتدت من العصر الهلنستي الى العصر الروماني ثم الإسلامي وصولا الى يومنا هذا، وعلى عجل تحضر أسماء مثقفيها ابتداء من الشاعر ارابيوس ابن جدارا الرومانية مرورا بالشاعرة الصوفية عائشة الباعونية ابنة جبل عجلون في القرن الخامس عشر وصولا الى الشاعر المشاغب المجدد عرار مطلع القرن العشرين”.
    بعد قيام الدولة الأردنية عام 1921، يضيف الغرايبة؛ اشتهرت اربد بانها حاضرة الشمال وبرز من مثقفيها علي خلقي الشرايرة وعرار ومحمود المطلق وواصف الصليبي واديب عباسي والشاعر الشعبي إبراهيم الشلول المعروف بالدوقراني وغيرهم كثير.
    ويشير إلى انه في الجيل الثاني من عمر الدولة الاردنية، برز العديد من مثقفيها من أمثال عبد الكريم غرايبة اول حاصل على شهادة الدكتوراه في شرق الأردن، والاديب واصف الصليبي والتربوي والكاتب وحيد سليمان والشاعر الشعبي مصطفى السكران والصحفي والقاص محمد سعيد الجنيدي وغيرهم.
    ويبين الغرايبة أن اللجنة الثقافية لاحتفالية اربد، تعمل على الاحتفاء بهؤلاء الرواد، وتزيين شوارع المدينة بصورهم واقتباسات من ابداعاتهم، واعادة دراسة نتاجهم في ندوات وكتب بهذه المناسبة، مشيرا إلى أن برنامج الاحتفالية يشمل مؤتمرات للنقد والرواية والقصة ومهرجانات للشعر الى جانب نشاطات أخرى للجامعات والهيئات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني.
    والاحتفالية التي ستتزامن مع احتفالات عيد استقلال المملكة، تسعى لتقديم إربد والأردن إلى العالم العربي كنقطة إشعاع حضاري وفكري تشكل ركيزة مستقبلية للجذب الثقافي، وستقام أسابيع ثقافية تشارك فيها الدول العربية، بالتعاون مع وزراء الثقافة في المنطقة العربية.
    وستشتمل الاحتفالية بإربد، على إقامة عدة فعاليات في مجالات الفنون الموسيقية والأدائية والشعر والنقد والفكر والابتكار وقضايا وشؤون محلية وعربية وأدب المرأة والطفل والثقافة العلمية والابتكار وإقامة ورش ومعارض للفنون التشكيلية والخط العربي والتصوير الفوتوغرافي ورسوم الكاريكاتور، وفعاليات تروي تاريخ إربد المكان والزمان والإنسان، علاوة على فعاليات تستعرض تاريخ المدينة ونشأتها وجمالياتها، وسهرات وامسيات موسيقية تراثية، وحكواتي ومهرجانات مواسم الزيتون والرمان والقمح والمأكولات الشعبية وعروض للحرف الشعبية واليدوية ومنتجاتها وعروض للازياء التراثية والشعبية واخرى غنائية وموسيقية واستعراضية راقصة.
    وستتنوع الاحتفالية، التي سيركز منتجها الثقافي على عكس صورة مشرقة عن إربد والاردن تاريخا وحضارة وثقافة ومكانا وانسانا، بين الفعل والمنتج الثقافي والتراثي والحضاري والتاريخي، من خلال إقامة معارض للكتب وعروض مسرحيات وافلام ومسابقات فنية إلى جانب إقامة مؤتمر نوعي يحاكي دور إربد الثقافي والسياسي والتاريخي. كما ستشتمل وبالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الالكسو”، على مشاركات عربية في مجالات التراث الشعبي والأشغال اليدوية والحرفية والفنون الموسيقية والأدائية والادب والشعر والنقد وتناول الشؤون والقضايا المحلية والعربية. وسيتم خلال هذه الاحتفالية تسليط الضوء على عدد من الشخصيات السياسية والأدبية والاجتماعية من أبناء مدينة “إربد” الذين كانت لهم بصمات واضحة في مجالاتهم وذلك ضمن فعاليات الاحتفالية التي ستجري في 24 موقعا موزعة على ألوية المحافظة التسعة على مدار العام، كما ستقام العديد من الفعاليات والنشاطات للاحتفالية في محافظات أخرى من ضمنها الأسابيع الثقافية العربية. كما سيتم خلال الاحتفالية عمل توأمة بين إربد كعاصمة للثقافة العربية لعام 2022 والقدس كعاصمة دائمة للثقافة العربية.
    وتحظى”أم قيس” البلدة التي ستقام فيها فعاليات رئيسة للاحتفالية، وتتبع للمحافظة وتقع شمالي مدينة إربد وتطلّ على نهر اليرموك وهضبة الجولان وبحيرة طبريا، برمزية تاريخية وثقافية وتوصف بأنها مدينة الفلاسفة والشعراء، فهي تضم آثارا عريقة من العصور الإغريقية والرومانية وغيرها ومنها المسارح والمدارج والكاتدرائيات والنقوش والرسوم والأسواق والهياكل الضخمة والمتاحف والأنظمة المائية القديمة.
    *مأدبا مدينة الزخارف واللوحات الفسيفسائية والكنائس عاصمة السياحة العربية لعام 2022 مأدبا، “عاصمة السياحة العربية لعام 2022″، بعد تحقيقها للمعايير والشروط المرجعية التي أعدتها المنظمة العربية للسياحة، تتمتع بالمعالم الثقافية والتراثية والدينية والاثرية والتاريخية الفريدة، وابرزها فن اللوحات الفسيفسائية، وتعد واحدة من أهم المدن الحرفيّة في العالم بهذا الفن، وبإرث خاص في أزقتها وكنائسها البيزنطيّة القديمة ومساجدها وعمارتها الفريدة، مثلما تحوي المعهد الوحيد في العالم لتعليم هذا الفن، حتى سُميت بـمدينة الفسيفساء، وتُعد خريطة مأدبا من أهم الآثار الفسيسفائية فيها.
    وتشتهر مأدبا؛ مدينة الكنائس وينابيع الاستشفاء والمعالم الطبيعية الخلابة من وديان مميزة وإطلالات جبلية فريدة من نوعها، بالفسيفساء البيزنطية والأموية، وتضم خريطة فسيفساء تعود إلى القرن السادس، وتظهر القدس والأراضي المقدسة، كما تزخر الخريطة بكم هائل من الأحجار المحلية ذات الألوان المشرقة، وتعرض رسوماً للتلال، والأودية، والقرى، والمدن التي تصل إلى دلتا النيل.
    وتغطي خريطة الفسيفساء التي تعد أقدم الخرائط للأراضي المقدسة، أرض كنيسة القديس جورجيوس للروم الأورثوذكس الكائنة شمال غربي وسط المدينة والتي بُنيت عام 1896 على أنقاض كنيسة بيزنطية قديمة تعود لمنتصف القرن السادس الميلادي. والمدينة التي هي مركز محافظة مأدبا وتقع على بعد نحو 35 كيلومترا جنوب غربي العاصمة عمان، يعود تاريخها الى العصر الحديدي وأسسها المؤابيّون في القرن التاسع قبل الميلاد، وتوالت عليها العديد من الحضارات والممالك التي حكمت المنطقة مثلما لعبت دورًا بارزًا بعد أن احتلها البيزنطيّون، حيث ضمّت عددًا من الكنائس التاريخيّة المهمّة، وتقع في موازاة طريق الملوك الذي يزيد عمره على 5000 سنة.
    كما تتميز مدينة مأدبا الى جانب كونها رمزا للوئام والعيش المشترك، بالمواقع التاريخية والدينية على اطرافها ومنها موقع المغطس وهو مكان تعميد السيد المسيح عليه السلام وجبل نيبو الذي يختص برحلة سيدنا موسى عليه السلام ومدينة مكاور ومنطقة أم الرصاص وغيرها من المواقع المهمة. ويقول الروائي جلال برجس لـ(بترا): “عرفت مأدبا بزخمها الثقافي والابداعي والفكري منذ زمن، زخم كان وراؤه جملة من العوامل والظروف التاريخية والجغرافية والثقافية، إذ تعد الآن مثالا مهما على تنوعين احدهما ثقافي، والآخر مرتبط بثقافة العيش المشترك التي دفعت البعض إلى تسميتها بمدينة الوئام، مثلما استحقت تسميتها بعاصمة السياحة العالمية، مرتبة أسس لها جانبان: الأول ثقافي، والثاني تاريخي حضاري غني بنتائج تتابع الحضارات التي مرت عليها”.
    ويلفت صاحب رواية “دفاتر الوراق” الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية(البوكر) لعام 2021، إلى ان مأدبا من منظور ثقافي تعد المدينة التي انطلقت منها إشارات اولى لفعل مسرحي أردني بدايات القرن العشرين في شرقي الاردن، على يد العلامة روكس بن زائد العزيزي والراهب انطون الحيحي، حيث أنشئت أول جمعية في الأردن تُعنى بالمسرح وشؤونه عام 1914 وسميت “جمعية الناشئة الكاثوليكية العربية”، مثلما ولد وعاش فيها الروائي الكبير غالب هلسا الذي كان له دور مهم في تجاوز الرواية العربية بناها ورؤاها الكلاسيكية نحو رواية عربية حديثة، مثله مثل القاص والروائي سالم النحاس الذي ترك بصمة أدبية واضحة.
    ويتابع انه من يتأمل المدونة الإبداعية الأردنية والعربية على صعيد الحاضر سيجد أن مأدبا شهدت ولادة أسماء إبداعية مهمة تجاوزت بنتاجاتها الحدود العربية نحو العالمية، هذا الحاضر الذي لا ينقطع عن الماضي.
    ويختم برجس بأن هذه المدينة التي كانت تسمى قديما (ميدبا) (مدينة المياه والفاكهة)، شهدت تطورات ثقافية مهمة جعلت منها على صعيد هذه المرحلة حاضنة إبداعية مهمة، تفاصيلها ظاهرة في اليومي المعاش تماما مثل الماضي الذي أرخ له بعديد من النتاجات الإبداعية، والفكرية، والفنية، فقد أُثث الشارع المأدبي بالمقاهي والنوادي والملتقيات والمهرجانات الثقافية، التي ألقت بأثرها على وعي أناسها وميزتهم عن غيرهم. ويعود أسم مدينة مأدبا التي تأسس أول مجلس بلدي فيها عام 1912، إلى عدة روايات بعضها ينسبه إلى السريانية وتعني مكان الطين او المياه الهادئة ومنها ما يرجعه إلى الآرامية “ميا” د “أيب”، بحيث الكلمة الأولى تعني المياه والثانية تعني الفاكهة، وحرف الدال للإضافة فيكون معناه مياه الفاكهة، ورواية ثالثة تنسبه الى أصل مؤابي “ميدبا”، ويعني مياه الراحة لكثرة عدد برك المياه التي كانت تحيط بالمدينة، كما ورد أسمها في العديد من الكتابات التاريخيّة القديمة، والكتب السماوية، كالتوراة والإنجيل.
    ومن أبرز معالم مأدبا، معهد مأدبا لترميم الفن والفسيفساء، والذي يعد مركزا إقليميا ووحيدا في المنطقة العربية لإنتاج وترميم الفسيفساء، والشارع السياحي، والقصر المحترق، وكنيسة الشهداء، والمتنزه الأثري، ومتحف الحكاية التراثي، وجبل نيبو، ومسار مأدبا التراثي، ودار السرايا العثمانية وقلعة مكاور وحمامات ماعين، وكنيسة يوحنا المعمدان – دير اللاتين وكنيسة العذراء في مأدبا، وكنيسة الرسل، ومتحف الآثار الذي تأسس عام 1979.
    ويتكون متحف آثار مأدبا من مجموعة من البيوتات القديمة وهي مستملكة لدائرة الآثار منذ عام 1966 على اثر اكتشاف عدد من الأرضيات الفسيفسائية فيها فكانت نواة له، ويتألف من جزأين: متحف الآثار، والمتحف الشعبي وبيت مأدبا التقليدي، وتعرض المقتنيات الأثرية في المتحف حسب التسلسل الزمني والمواقع الأثرية في مأدبا وضواحيها، ويتكون المتحف من قاعتي عرض تحتوي على قطع أثرية من العصر البرونزي القديم وحتى العصور الإسلامية، وبلغ عدد القطع المعروضة فيه 400 قطعة أثرية.
    *السلط حاضرة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي يظل سحر مدينة السلط آسرا لكل من عاش فيها أو زارها نتيجة لطبيعة تضاريسها وطرقاتها الضيقة وحاراتها وأدراجها وأوديتها وربواتها، وتنوع الأطياف والمكونات التي سكنتها وسمة العيش المشترك وكرم الضيافة، حيث تتقاطع مآذن المساجد مع أبراج الكنائس متجاورين غير متباعدين، والتي تتوسطها التجمعات السكنية للأهالي بمبانيها وبيوتاتها التي تتعانق بشرفاتها المعلقة وبتراصها متجاورة الى بعضها تتلألأ بحجرها الاصفر وجماليات زخارف شبابيكها المشرعة على التلاقي، لتستحق اعلان لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) في 27 تموز 2021 بضمها الى قائمة التراث العالمي بوصفها “مدينة التسامح وأصول الضيافة الحضرية في الأردن”.
    وعلى امتداد مئات السنوات، كانت المدينة محطة مهمة للتجار والحجاج وهم في طريقهم إلى القدس أو دمشق أو بغداد أو مكة، وكان سكان المدينة يرحبون بالزوار ويقدمون لهم الطعام والسكن.
    السلط التي تشكل شاهدا لا مثيل له على التراث العمراني؛ تضم ما يزيد على 600 مبنى تراثي يصل عمر بعضها إلى 400 عام، ويتراوح عمر بعضها الآخر بين 100و 200 عام، وتشتهر بطراز تراثها المعماري المميز وتمثل نموذجا اجتماعيا ثقافيا رائعا يجسد العيش المشترك بين الأردنيين من مسلمين ومسيحيين منذ مئات السنين يتشاركون التقاليد الراسخة في منطقة حضرية واحدة.
    ويرجح أن أسمها جاء من الكلمة اللاتينية (سالتوس) والتي تعني “وادي الأشجار” أو” الغابة الكثيفة” أو “أرض التين والعنب” حيث تتواجد العديد من الأشجار في المنطقة، كما يرد في رواية أخرى أن التسمية جاءت من السريانية (سالتا) والتي تعني الحجر الصلب أو حجر الصوان، فيما تذهب رواية أخرى إلى انها سميت بسالتوس نسبة إلى القائد اليوناني الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني وبني فيها معبدا للإله زيوس في منطقة زي التي نسبت إليه، فيما ذكر ابن عساكر الدمشقي اسم السلط بالطاء بينما يرد ذكرها عند أبي الفداء باسم الصلت.
    وتقع السلط مركز محافظة البلقاء، على نحو 30 كيلومترا شمال غربي العاصمة عمان، وهي رابع أكبر مدينة في المملكة من حيث عدد السكان وتأسست بلديتها عام 1881، وحبتها الطبيعة بخضرة خلابة وبمياه ينبوع “جاد/جادور” العذبة والصافية، وكانت مركزا لأسقفية تابعة لمدينة البصرى أولا ثم لمدينة البترا في العصر البيزنطي، وعاشت حقبة الفرنجة، واحتلها المغول ودمروا قلعتها فأعاد الظاهر بيبرس بناءها سنة 1266، ثم دمرها إبراهيم باشا العثماني مجددا عام 1840 ولم يبق إلا الشيء القليل من أساس بنائها، والقلعة التي بناها السلطان المالك سنة 1220 ، تحتل مكانها في الجهة الشمالية الشرقية وتوحي أساساتها الباقية أنها من العصر الروماني.
    فيما يقع جنوبي مدينة السلط مرتفعا يعرف باسم تل الجادور، أقيم على مقربة منه معبد صغير للنبي “جادور” وتتدفق إلى جنوبه عين جادور وعيون أخرى في المنطقة وقد أقيمت على هذا التل في الماضي مستوطنة يعتقد أنها هلينية وعثر على بقايا فخارية يعتقد أنها تعود للعصرين الروماني والبيزنطي، كما اكتشفت قبور رومانية على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من مدينة السلط وباب حجري ضيق، يعود تاريخها إلى القرنين الثالث والرابع للميلاد، ومبنى السرايا العثماني، وفي مدينة السلط بقايا آثار وأجزاء قائمة لسور يحيط بها يعود لنحو 8 آلاف عام، وكنائس بيزنطية ومقابر رومانية تعود إلى القرن الخامس للميلاد.
    كما تحتوي المدينة على معالم تراثية ومواقع وأحياء وأدراج تاريخية وقديمة،ومنها: الجدعة وحي السلط القديم وسوق السكافية؛ ولاسيما مبانيها التراثية التي تزيد على 600 مبنى تراثي، ومنها بيت أبو جابر أحد أبرز البيوتات التراثية في وسط مدينة السلط العتيقة، والذي جرى تحويله الى متحف، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر، وهو مبني من الحجر الجيري المحلي بأسقف جدارية إيطالية ونوافذ زجاجية ملونة على طراز فن “آرت نوفو” للزخرفة، والأعمدة المزخرفة والبلاط الخزفي الذي جلب من سوريا، بالاضافة إلى خربة زي وبلدتي صافوط وعين الباشا اللتين تتبعان لمحافظة البلقاء.
    وتضم ضواحي السلط مواقع أثرية ابرزها خربة السوق وهي على بعد أربعة كيلومترات جنوبي مدينة السلط، وخربة أيوب وخربة حزير وخربة الدير ومسجد ومقام النبي يوشع بن نون ومقام الخضر الذي يقع إلى الشمال الغربي من المدينة، ويعود تاريخ المسجد إلى ثلاثة أو أربعة قرون فقط.
    ولوقوع المدينة في الماضي على مفترق طرق التجارة والحج بين البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة العربية، نمت السلط لتصبح مدينة مزدهرة في أواخر القرن التاسع عشر خلال فترة الإصلاحات التي كانت تهدف إلى “تحديث” الإمبراطورية العثمانية.
    ويتميز وسط المدينة التاريخي بأحيائه القديمة ذات الصبغة المعمارية الفريدة المبنية من الحجر الجيري الأصفر وتعود معظمها إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بين عامي 1890 و1920، وتشتهر بالمداخل المقوسة والأعمدة المنحوتة والنوافذ العالية، والمصنوعة من الحجر الاصفر، وبحكم طبيعة المنطقة المكونة من سلاسل جبلية وعرة فقد تم تكوين هذه الأحياء بطريقة أقرب ما تكون إلى البناء التراكمي بين الشوارع الضيقة والأدراج الموصولة، بحيث تميزت مبانيها بفتحات الشبابيك وأقواس الأبواب المنحوتة بمهارة فائقة.
    وقبل عام 1866 كانت المباني عبارة عن طابق واحد مصنوعة من الطين والحجر الغشيم والأسقف المحمولة على جذوع الأشجار، بعد ذلك تأثرت المدينة بخط العمران في مدينة نابلس، حيث تعددت الطوابق وتم إدخال الحجر الأصفر كمكون أساسي للواجهات المعمارية للمدينة مع وجود تفاصيل نحتيه كالبروزات بالإضافة إلى استخدام القباب والعقود.
    ومنذ عام 1890 وحتى الحرب العالمية الأولى، تأثرت المدينة بالطابع الأوروبي حيث ظهرت الأسقف القرميدية والجيزان الفولاذية والشرفات، وبعد ظهور الخرسانة المسلحة ودخول المواد المستوردة في البناء، تطورت المدينة بطريقة سريعة .
    المصدر : بترا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى