مقالات

عرَفنا الأمم السابقة من مقتنياتها فهل ستعمر أدواتنا الإلكترونية طويلا!

كيف يقرأ العالم تاريخنا ومعلوماتنا الرقمية بعد آلاف السنين؟
كتب – زياد الطويسي
قبل أيام اكتشفت بعثة تنقيب في البترا عقدا أثريا يبلغ عمره نحو (9 آلاف عام)، ويعود للعصر الحجري الحديث ما قبل الفخاري (ب)، إذ عثروا على العقد داخل قبر لطفلة أطلقت عليها سلطة إقليم البترا، اسم «جميلة».
وأثار هذا العقد وما سبقه وتبعه من اكتشافات أثرية، تساؤلا مهما، وهو كيف سيقرأ العالم تاريخنا بعد آلاف السنين؟! لاسيما وأن علماء الآثار قد تمكنوا من قراءة الكثير من تاريخ الأمم السابقة من خلال مقتنياتها، ولكن ماذا عن مقتنياتنا.. هواتفنا وحواسيبنا وحاجاتنا الرقمية.
توقف مصور التلفزيون الأردني في البترا رأفت المساعدة أمام العقد الأثري دقائق من الزمن، وأمعن النظر فيه وفي لوحة كتبت إلى جانبه، تشير إلى معلوماته وبيانات صاحبته وتاريخه ومكوناته، وأطلق وابلاً من الأسئلة التي لم نجد لبعضها اجابات حتى الآن.
تساءل المساعدة: ماذا إذا وجد الأثاريون هاتفي بعد آلاف السنين أو جهاز حاسوبي أو حتى ذاكرة كاميرتي، هل يستطيعون قراءة تاريخنا وسيرتي من خلالها؟ هل ستكون صالحة ويتمكن من يعثر عليها من الوصول إلى ما تحويه من بيانات؟.
نظر في وجوه الحاضرين في حفل أقيم في متحف البترا للإعلان عن اكتشاف العقد الأثري، وواصل التساؤل: أين ستصبح مليارات الصور الرقمية والبيانات التي تحتوي عليها أجهزتنا بعد آلاف السنوات؟ وهل سيتمكن العالم من ايجادها بعد دهور من الزمن؟ وهل يستطيع باحث في عام 3021 ميلادية، من إيجاد خبركم أيها الصحفيون حول اكتشاف عقد الطفلة؟.
وتباينت آراء الحضور، بين صعوبة العودة لغالبية الأرشيف الرقمي وما تحتويه المقتنيات الحالية التي يستخدمها العالم من بيانات، وبين قدرة التطور التقني على حفظ هذه البيانات والمعلومات لدهور من الزمن.
التطور التقني قد يحفظ المعلومات الرقمية
ويجد أستاذ الآثار في كلية البترا للسياحة والآثار التابعة لجامعة الحسين بن طلال الدكتور فوزي أبو دنة، أنه قد يكون هناك صعوبة في حفظ كل ما نمتلكه من معلومات رقمية لآلاف السنين، بسبب اعتماد الإنسان بشكل كبير جدا على أدوات التكنولوجيا، على عكس الأمم السابقة.
ويشير أبو دنة إلى أن الإنسان في الوقت الحالي يعتمد على المواد المصنعة، فيما اعتمد قبل آلاف السنين على المواد الطبيعية، ما أعطى الفرصة للباحثين، في قراءة ودراسة تاريخهم وتوثيقه.
ولكن مع ذلك يعتقد أبو دنة، أنه مع استمرار الحضارة البشرية في التطور التقني والتقدم التكنولوجي، ستصل كثير من المعلومات إلى الأمم التي تلينا بعد آلاف السنين، وستحفظ العديد من المواد الرقمية، وخاصة الإنتاج الفكري الثقافي غير الملموس، والذي يفتقد الباحثون جزءا كبيرا منه لدى دراستهم لتاريخ الحضارات القديمة، ولا يستطيعون تتبعه بشكل تفصيلي.
ويؤكد أبو دنة، أن الحضارة البشرية لديها الفرصة اليوم، من خلال التطور التقني، بحفظ الكثير من المعلومات لآلاف السنين، من خلال التقنية الرقمية والمعرفة التي توصل إليها الإنسان.
لن نستطيع حفظ وإيصال غالبية المعلومات الرقمية
أمتلك ما يزيد على (500 floppy disc)، تحتوي على معلومات وصور، واستعرت جهازا قديما من أحد أصدقائي لتشغيلها، ولكن (11 منها) فقط تمكن من العمل فيما تلف البقية)، وبذلك لن نستطيع حفظ غالبية المعلومات الرقمية، وتوريثها للأمم القادمة.
هذا ما يجده الباحث الانجليزي في التاريخ الشفوي والمتخصص في علم الحاسوب جون واي، وهو واحد من الباحثين الذين يسعون لإيجاد آلية لحفظ أرشيفهم الرقمي أطول فترة ممكنة.
ويوضح واي، أن التكنولوجيا الحديثة معرضة للكثير من المخاطر، وأهمها التلف وتغير أنظمة التشغيل، مبينا أنه أيضا استخدم ما يزيد على (20 flash memory) لحفظ أرشيفه، ولكن (4 منها) تعرضت للتلف خلال (3 سنوات)، وأنه بات يستخدم ما يعرف بالـ (hard disc)، ولا يعلم إلى متى سيمتد عمرها.
ولفت واي، إلى أنه وخلال (15 عاما) فَقَد ما يزيد على (350%) من المعلومات الرقمية التي يمتلكها، والتي حفظها بوسائل متعددة، متسائلا هو الآخر: بعد آلاف السنين ماذا سنجد منها؟ ربما لا شيء!.
هناك مستودعات آمنة وسعي عالمي لحفظ المعلومات الرقمية
ويعتقد أستاذ علم الحاسوب في جامعة الحسين بن طلال الدكتور مهند الحسنات، أنه قد تعمر المعلومات الرقمية لآلاف السنين، إذا تم حفظها بشكل سليم، مشيرا إلى أن هناك مستودعات آمنة لحفظ هذا النوع من البيانات.
ويبين الحسنات، أنه إذا أردنا أن نقرأ صيغة رقمية بعد آلاف السنين، فإنه لا بدّ من وجود ذات البرنامج وذات نظام التشغيل، الذي توافق مع إنتاج هذه الصيغة الرقمية.
وحول التساؤل، هل نتمكن من إيصال شيء من أرشيفنا الرقمي إلى العالم بعد آلاف السنين؟، أكد الحسنات، أن العالم قد أجاب على هذا السؤال (عام 2013) من خلال أرشيف أطلق القائمون عليه اسم «الأرشيف الزيتوني».
وقال الحسنات: إن الأشخاص القائمين على هذا المشروع، يسعون إلى حفظ صيغة رقمية إلى البرامج وأنظمة التشغيل وحتى المعدات، حتى يتمكنوا من قراءة أي صيغة رقمية يجدونها بعد سنوات طويلة.
ويشير الحسنات الى أنه بناء على هذا المشروع إن نجح القائمون عليه، فإنه سيتم قراءة أي صيغة رقمية قد يتم العثور عليها لاحقا.
الأدوات المتخصصة التي يمتلكها الناس العاديون لا تعمر طويلا
وحول كم يمكن أن تعيش المعلومات الرقمية التي نمتلكها في الوقت الحاضر؟، تجيب المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات الأميركية ارين ستوفل، أن غالبية الأدوات المتخصصة التي يمتلكها الناس العاديون لا تعمر طويلا.
ولكن ستوفل تشير إلى أن العلم الحديث والتقدم التكنولوجي قد يجد أدوات أكثر أمانا وتعمر لسنوات طويلة، وعلى الأغلب ستستخدمها كبريات الشركات العالمية في حفظ وتحديث معلوماتها، وهذا ما سيحفظ جزء كبير من المعلومات الرقمية، لمستخدمي المواقع التابعة لهذه الشركات، كموقع فيسبوك وتويتر وغيرها.
مبادرة أردنية لحفظ الأرشيف الرقمي العالمي
في البترا التي تساءل فيها مصور تلفزيوني، كيف سيقرأ العالم تاريخنا بعد آلاف السنين؟، هناك من توقف كثيرا عند هذا التساؤل، وأعد لمشروع من شأنه حفظ تاريخ المملكة والعالم عبر وسائط المعلومات الرقمية، وبما يضمن بقاءها لسنوات طويلة.
يقول صاحب المبادرة الباحث والأكاديمي الدكتور محمد الفرجات: إنه تم تقديم فكرة بناء على تاريخ الأنباط وما قدموا لنا، ونحاول جمع (10 ملايين) فكرة و(10 ملايين) رسالة من العالم إلى المستقبل، وكذلك جمع الـ (DNA) للتنوع الحيوي، في كبسولة رقمية نضمن بقاءها لآلاف السنين.
ويضيف الفرجات: إنه من ضمن المشروع سيتم اطلاق مسابقة عالمية، للشركات المهتمة بتصنيع هذه الكبسولة الرقمية، التي سيتم حفظها في متحف البترا الأثري، لتحتوي على أرشيف عالمي هام، سيتم توريثه إلى الأجيال القادمة.
دعوة لتبني مشروع عالمي لحفظ المعلومات الرقمية إلى الأجيال
يدعو المصور المساعدة الذي رافقنا طوال فترة إنتاج هذه المادة الصحفية، إلى تبني مشروع عالمي لحفظ المعلومات الرقمية إلى الأجيال القادمة.
ويشير المساعدة، إلى أن هاتفه من نوع SAMSUNG قد لا يعمر طويلا وقد تتلف المعلومات التي يحتويها، كما أنه قد لا يستطيع من يعثر عليه بعد آلاف السنين، أن يجده متكاملا أو تالفا على الأغلب، ما يصعب عليه قراءة محتواه.
ويدعو المساعدة إلى ضرورة إطلاق مشروع عالمي يرتبط بشبكة الإنترنت لحفظ المحتوى الرقمي الذي يمتلكه العالم.
ويقترح بجمع هذا المحتوى الرقمي بمستودعات آمنة، تحدث آليات قراءتها، بتحديث أنظمة المعلومات والتقدم التقني والمعلوماتي، وبما يجنبها أيضا الأخطار والكوارث الطبيعية.
ومع ذلك لم يقتنع المساعدة أن اقتراحه سيؤدي الغاية من حفظ جميع ما نمتلكه من معلومات رقمية إلى الأجيال القادمة، ليقف مجدداً أمام متحف البترا متسائلا وهو يشاهد آثار وتاريخ الأمم السابقة التي سكنت المدينة، كيف سيقرأ العالم تاريخنا بعد آلاف السنين؟.
سيبقى هذا التساؤل مفتوحاً أمام العلماء والمختصين، لعلنا نوصل شيئا من حاضرنا وما نمتلكه من معلومات رقمية، إلى الأمم التي تلينا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى