“فساء صباح المنذرين”
تساؤلات عديدة حول الغباء ومفهومه، طرحتها صباحا على أصدقائي الأعزاء، فكان صباحي عليهم هذه المرة غير كل الصباحات، لم يتوقعوه بتاتًا، سيما وأنهم اعتادوا على كلام جميل يذكرهم مع إشراقة كل صباح برب العباد، فكان وقع الأسئلة -التي بلغت 12 تساؤلًا – عليهم أشد وطأة من ضرب السيوف، دفعت بعضهم للتندر والسخرية، وفي المقابل تجاوب معها بجدية إعلاميان الأول سوداني من زملاء “المهنة البائسة”، عملت معه سابقًا في السعودية، والثاني أردني تشرفت بمعرفته قبل سنوات في البحرين، ففتحت الأسئلة شهية الأول لكتابة خاطرة عنوانها “كيف نقيس نسبة الغباء في أوساطنا؟”.
سأقول لكم السر العظيم بعد قليل، لكن دعوني أحيطكم علمًا بالموضوع من الألف إلى الياء، وأترك لكم الحكم في نهاية المطاف، بالطبع الأسئلة أدهشتكم، وأثارت حفيظة بعضكم، وكأنني اتهمت أحدكم بالغباء، لا أريد أن أطيل، سأدخل في صلبها مباشرة، فقد كانت كالتالي: ما مفهومك للغباء؟، هل الغباء فطري أم وراثي؟، كيف نتعايش مع الغبي ونحتويه ونعالجه؟، كيف نقنعه بغبائه؟، كيف نتواصل معه؟، ما هي الحلول المجدية من وجهة نظركم؟، ماذا لو كان في بيتنا أو بيننا غبي؟، هل منكم من سبق وأن تعامل مع غبي؟، فإن كان الجواب بـــ”نعم” رجاء صف لنا تجربتك للاستفادة منها، ما رأيك بمقولة “ذكاؤك للعيش … وغباؤك للتعايش”؟، كيف تقيس نسبة الغباء لدى الآخرين؟، هل فعلًا الغباء موجود أم أنه اتهام باطل لا أساس له من الصحة؟، وما رأيكم بإعلان قائمة سنوية لأشهر 10 أغبياء حول العالم؟.
الإجابات جاءت كلمح البصر، وكأن على رؤوسهم الطير، وتراوحت بين التهكم والساخرة والناقدة، نذكر بعضها سريعًا، مع احترامنا الشديد لأصحابها: (أسئلة غبية، الغباء في دولنا بامتياز، الغبي من يفكر الناس أغبياء، قمة الغباء أن تحاور شخصًا نعسان، الشخص نفسه يتغابى، كل إنسان له ذكاء ولكن بدرجات متفاوته، لا نصطدم به ونوحي له بأنه طبيعي وعندما يتفلسف نتدخل، المشكلة ليست في الشخص الغبي كل ما هناك أنه يحتاج إلى وقت أكبر وصبر لتصله المعلومة، العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، المشكلة في الشخص العنيد الذي لا يتقبل الرأي الآخر ويتمسك براية ولو على خطأ وما أكثرهم بيننا، ما ناقشت جاهلًا إلا غلبني وما ناقشت عالما إلا غلبته……).
السر العظيم وراء جملة التساؤلات، الذي دفعني إلى ذلك، سأقوله دون تجني عملًا بقوله تعالى:} ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين{.
نشر أحدهم مقالًا تطاول فيه على الذات الإلهية، بالطبع ليس بالشيء الجديد أو الغريب، فقد سبقه الكثيرون من هم على شاكلة أبي لهب وأبي جهل، والتاريخ حافل بمن كذبوا وقتلوا الرسل، مصداقًا لقوله تعالى: }ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين {.
نعت هذا الكاتب المسلمين بالأغبياء، مدعيا أن دينهم -من وجهة نظره- ينشر الغباء، ومع أنني لست على درجة كافية من العلم للرد على أمثال هؤلاء، ممن طمس الله على عقولهم وقلوبهم، لكن يحضرني قوله تعالى: }ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون {.
حرموا أنفسهم نعمة إدراكهم للذات الإلهية، لا يجدي الكلام معهم نفعًا، “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”، “وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين”، “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين”.
هؤلاء كما قال ابن عمي “مهند” في إجاباته على الأسئلة، التي لم يعرف هو الآخر مغزاها، ليس لدينا وقت لإضاعته في النقاش معهم، مستشهدًا بقوله عز وجل: }وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما {، لسنا مضطرين لإقناعهم بغبائهم، لانهم يجهلون حقيقة وجود أنفسهم، فكم من الحجج والبراهين والآيات التي ينكرونها، لقوله تعالى: }وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون{.
بالطبع كما قال صهري في رده، المشكلة في الشخص الغبي، تكمن في أنه يحتاج إلى وقت أكبر كي تصله المعلومة، ولا يتقبل الرأي الآخر ويتمسك برأيه وهو على خطأ، وتعليقًا على مداخلة صديقي “حسن”، ما هي مشكلتك مع الأغبياء؟، أقول لهما إن حاولتما الدخول في نقاش مع أحد منهم، رغم أنكما تملكان الدلائل والمراجع للنقاش أيًا يكن موضوعه معهم، ولكن قد تنسحبان بسبب كمية الغباء الهائلة، لدرجة أنكما مُلزمان أن تشرحا لهذا أو ذاك من الأغبياء من الصفر، ومن المعيب أن نصف شخصًا بأنه غبي بسبب دينه، الذي يدعوك وغيرك لسبيل الرشاد، فهذه مشكلتك، ليست مشكلة ديننا، لأنك تعاني من نقص حاد في الإدراك.
الغبي، باختصار هو كل من أطاع الشيطان وذريته وأتباعه، ثم لم يبادر بالتوبة، فقد ارتمى في أحضان ألد أعدائه، وسيجد ما لا يسره غدًا، بسبب غبائه، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا}، فهل عرفت يا حضرة الكاتب من هو الغبي؟!
عبدالله خازر
مستشار إعلامي
news_1977@hotmail.com