مقالات

روسيا ليست الملومة الوحيدة على زعزعة استقرار أوكرانيا!

  • ذا ناشيونال إنترست

مرّت أوكرانيا بأسوأ الظروف على الإطلاق، فهي تواجه اليوم تهديداً حقيقياً بعد حشد القوات الروسية على حدودها، ويظن الكثيرون أن الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش حاول منذ سبع سنوات بيع بلده عبر صفقة تجارية مع روسيا بدل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كعضو مشارك، وهذا الحدث أدى إلى نشوء حركة الديموقراطية في ميدان الاستقلال، ثم اضطر يانوكوفيتش للتنحي من منصبه، ورداً على ذلك، غَزَت روسيا شبه جزيرة القرم واندلعت حرب أهلية في شرق أوكرانيا، واليوم، تحاول أوكرانيا التصدي للعدائية الروسية، فتدعو واشنطن وحلف الناتو إلى التدخل لحماية ديموقراطيتها الناشئة من التهديدات والمضايقات الروسية.

لكنّ القصة ليست بهذه البساطة، إذ يتجاهل الكثيرون دور الدبلوماسية الأوروبية والأميركية في تسهيل زعزعة استقرار أوكرانيا وتفككها، ومن خلال التعامل بفوقية مفرطة في مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا، قدّم الدبلوماسيون في بروكسل، بدعمٍ من واشنطن، فرصة ذهبية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي نجح في استرجاع شبه جزيرة القرم وأعاق مسار أوكرانيا نحو الديموقراطية، ولولا المطالب المفرطة التي طرحتها بروكسل على طاولة المفاوضات، لا سيما في المسائل المرتبطة بالحُكم، كان يمكن تجنّب تفكك أوكرانيا وجميع العواقب السلبية التي رافقت هذا الحدث، فقد نالت أوكرانيا مكانة المنتسبين إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها دفعت ثمناً باهظاً مقابل عضويتها، فاحتلت روسيا شبه جزيرة القرم، وبدأت حرب أهلية عقيمة في إقليم “دونباس”، وقُتِل 14 ألف شخص.

في شباط 2014، حين كان الدبلوماسيون الأميركيون والأوروبيون يحاولون تأدية دور الوساطة لإيجاد حل انتقالي بين الناشطين في المعارضة ويانوكوفيتش، استمرّ تدهور الوضع في شوارع كييف، ثم خرجت الاشتباكات بين المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب عن السيطرة وقُتِل أكثر من 130 شخصاً، منهم 18 عنصراً من الشرطة.

احتجّت روسيا على إسقاط يانوكوفيتش عن طريق العنف، وبدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أجبر الأوكرانيون العرقيون يانوكوفيتش المُنتخَب ديموقراطياً على التنحي من السلطة، فانتقل بوتين من الدبلوماسية إلى التفكير بخيارات أخرى لحماية المصالح الروسية، وكان يعرف أن واشنطن وبروكسل لا تملكان أي أوراق عسكرية يمكن الاستفادة منها، وفي 27 شباط 2014، سيطرت قوات روسية على البرلمان في شبه جزيرة القرم، واحتلّت مواقع استراتيجية في أنحاء المنطقة سريعاً، ولم تواجه أي مقاومة عسكرية أو مدنية بارزة.

في غضون ذلك، عمد بوتين إلى تأجيج الثورات الروسية في شرق أوكرانيا، فتحوّلت التظاهرات سريعاً إلى قتال بين الجمهوريات الناشئة في “دونيتسك” و”لوهانسك” والحكومة في كييف، وبحلول 22 اب 2014، اتّهمت كييف روسيا بغزو أوكرانيا علناً، حيث يستمر الصراع في “دونباس” بهدوء منذ سبع سنوات، وفي الوقت الراهن، بدأت القوات الروسية تحتشد على طول المنطقة الحدودية في “دونباس”، مما أدى إلى تصاعد المخاوف من احتمال أن تطلق روسيا غزواً شاملاً.

كان الدبلوماسي الأميركي جورج كينان قد أطلق تحذيراً منذ عقود مفاده أن نظرة روسيا “الهستيرية” إلى العالم تشتق من “شعور تقليدي وفطري بانعدام الأمان” على حدودها، وبعد الغزو الروسي لجورجيا، كان يُفترض أن تتوقع واشنطن وبروكسل ردة فعل متطرفة من روسيا نتيجة تغيير الوضع القائم عبر وضع أوكرانيا بمصاف المنتسبين إلى الاتحاد الأوروبي والتعهد بِضَمّها إلى حلف الناتو في نهاية المطاف، لكن الاتحاد الأوروبي بالغ في تقدير نفوذه، بدعمٍ من الولايات المتحدة، مما أدى إلى كارثة دبلوماسية انعكست سلباً على استقرار المنطقة.

لم يفت الأوان بعد على وضع مقاربة دبلوماسية غربية أكثر توازناً لتجديد الاستقرار، لا يملك شركاء الناتو أي خيارات عسكرية واقعية للدفاع عن أوكرانيا، حتى أن حلفاء الناتو في أوروبا لا يستطيعون اختيار هذا التوجه أو لا يرغبون في ذلك، بل يمكن تجديد الخطط الدبلوماسية الناجحة التي رسّخت وضع الحياد في فنلندا والنمسا خلال الحرب الباردة وتعديلها على شكل مقاربات محتملة لحل الأزمة في أوكرانيا، ويجب أن يوضح الغرب مجدداً أن روسيا ستدفع ثمناً مريعاً عبر العقوبات الاقتصادية إذا أقدمت على غزو أوكرانيا، لكن يجب أن يشمل الحل أيضاً طمأنة موسكو حول عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.

في الوقت نفسه، يجب أن تجد بروكسل وموسكو وواشنطن وكييف طريقة تضمن ازدهار العلاقات التجارية التي تفيد جميع الأطراف المعنية، وتُجدّد السلام في إقليم “دونباس”، وتطرح مقاربة تحفظ ماء الوجه للغرب كي يتعامل مع الواقع الذي فرضه بوتين في شبه جزيرة القرم، ويجب ألا تتمسك بروكسل بغطرستها هذه المرة وترفض التفاوض عبر عملية ثلاثية أو رباعية بين مختلف الأطراف المعنية، كانت أوكرانيا ستصبح في وضعٍ أفضل راهناً لو أنها لم تبدأ يوماً التفاوض حول مكانتها مع الاتحاد الأوروبي، لكن تسمح الظروف حتى الآن باستجماع الوضع عبر تحسين الدبلوماسية المعتمدة قبل اندلاع حرب حقيقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى