مقالات

عسكرة البحر المتوسط .. حاملة ترومان وصواريخ تسيركون

حازم عياد

سخونة الجدل حول ملف إيران النووي ومفاوضات فيينا لإعادة العمل بالاتفاق النووي 5+1 الموقع عام 2015 لم تمنع الإدارة الأمريكية من إعادة جدولة اهتماماتها وأولوياتها باتجاه أوكرانيا والبحر المتوسط. الإزاحة الكبيرة في الاهتمام الأمريكي من الخليج العربي ووسط آسيا المتخمة بالنفط والأزمات إلى البحر المتوسط والأسود المتخمان بالغاز والصراع على المياه وخطوط النفط والغاز؛ جاء بعد أن حذرت المخابرات الأمريكية من احتمال تعرض أوكرانيا لهجوم روسي في كانون الثاني (يناير) من العام 2022.

الحاملة هاري ترومان

تحذيرات المخابرات المركزية الأمريكية من غزو روسي لأوكرانيا قدمت المبررات لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن للإعلان عن إعادة تمركز حاملة الطائرات هاري ترومان النووية (USS Harry S Truman) ترافقها خمس من السفن الحربية الأمريكية في البحر المتوسط بدلا من الخليج العربي.

الحاملة التي تعمل بالطاقة النووية كانت قد غادرت قاعدة (نورفولك) البحرية في ولاية فرجينيا في الأول من كانون الأول (ديسمبر) نحو الخليج العربي؛ إلا أنها أعادت تمركزها بعد وصوله إلى المتوسط في 14 من كانون الأول (ديسمبر)؛ فإيران ومنطقة الخليج العربي لم تعد من أولولويات الإدارة الأمريكية؛ لتتقدم أوكرانيا وأوروبا الشرقية عليها في الحوضين المتداخلين للبحر الأسود والمتوسط.

الحشود الأمريكية رغم ارتباطها بالتهديدات الروسية لشرق أوكرانيا؛ إلا أنها تتزامن مع انطلاق جولة الحوار الاستراتيجي للاستقرار بين موسكو وواشنطن في العاشر من كانون الثاني (يناير) المقبل؛ ليتبعها اجتماع مجلس روسيا ـ الناتو في الـ 12 من نفس الشهر كانون ثاني (يناير) المقبل.

جولات الحوار تترافق مع حشود أمريكية في المتوسط اعتبرها دميتري نوفيكوف، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما “تهديدا لروسيا”، مضيفا القول إن “الولايات المتحدة كما هو معروف، زعيمة سياسية وعسكرية في كتلة الناتو لذلك، فإن أي نشاط من هذا القبيل يشكل تهديدا مباشرا وفوريا لروسيا”؛ هواجس نوفيكوف دعمها انضمام سفينة حربية نرويجية لحاملة الطائرات الأمريكية في المتوسط.

صواريخ تسيركون

للتعامل مع التهديدات وعملية استعراض القوة الأمريكية أعلن رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما، أندريه كارتابولوف، أن “لدى روسيا قاعدة في البحر الأبيض المتوسط، حميميم؛ و(في ميناء طرطوس) توجد أنظمة صواريخ ساحلية، ويمكن أن ترسو سفن مسلحة بصواريخ تسيركون التي تفوق سرعة الصوت، لتغطي كامل البحر الأبيض المتوسط” مضيفا أن “التدابير العسكرية ليست بالضرورة للحرب، بل هي أيضا خلق تهديدات مباشرة للعدو، تدفعه إلى التفكير بأفعاله اللاحقة”.

ذلك يعني أنهم حين يدركون أنهم يواجهون تهديدا مباشرا بتدمير أصولهم الهجومية، الموجودة في أوروبا الشرقية، وأنظمة التحكم، ومجموعات حاملات طائراتهم، فما الفائدة من بدء شيء ما إذا كنت تخسر سلفا؟ إنهم حساسون للغاية من الهزائم”.. هكذا برر كارتابولوف التهديد بنشر الصواريخ الفرط صوتية في المتوسط.

عسكرة المتوسط

البحر المتوسط تحول ساحة تفاوض بين روسيا وأمريكا؛ ساحة تتصارع فيها القوى الإقليمية إيران وتركيا والكيان الإسرائيلي؛ فالغارات الإسرائيلية لم تنقطع طوال أسبوعيين على ميناء الحاويات في اللاذقية؛ صراع شهد إزاحة مهمة من منطقة الخليج العربي إلى شرق المتوسط والبحر الأسود؛ فهو أرض مناسبة لإيصال الرسائل واستعراض القوة تشارك فيه الأطراف الإقليمية والدولية.

ساحة لا يقتصر تأثيرها على الجوانب الجيو ـ سياسية بل والجيو ـ اقتصاية؛ فالمتوسط على خلاف الخليجي العربي تحول إلى حوض كبير يحوي احتياطات هائلة من الغاز فضلا عن كونه يمثل خط إمداد طبيعي للغاز عبر سفن الشحن والأنابيب للقارة الأوروبية؛ فالبحر المتوسط تعرض للعسكرة بشكل يتهدد الاستقرار الاستراتيجي الذي تتحاور حوله موسكو وواشنطن؛ عسكرة ستحوله من أفق جيو ـ اقتصادي إلى ساحة للتصارع الدولي والإقليمي.

ختاما .. 

البحر المتوسط والأسود يقعان في لب الحوار الاستراتيجي الأمريكي الروسي؛ حوار وضع سوريا ومن قبلها أوكرانيا في قلب الحدث السياسي والأمني؛ فإعلان موسكو عن رغبتها بنشر سفن حربية تحمل صواريخ فرط صوتية بالقرب من طروطوس وتمركز الحاملة هاري ترومان في المتوسط؛ عزز من مكانة سوريا في الصراع الدولي؛ وفتح الباب للكيان الإسرائيلي مجددا لمحاولة إقحام نفسه في لب الحوار الروسي الأمريكي وعناوينه التي تعد إيران أحد أبرز ملفاتها؛ بغارات جوية على ميناء اللاذقية للمرة الثانية خلال شهر؛ فالمتوسط بات ساحة للتصارع يفوق في أهميته الخليج العربي وبحر العرب .

عربي 21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى