مقالات

تحديات الإعلام في ظل تسارع الثورات التكنولوجية

كتب : نهاد ابو غوش

حين نتحدث عن الصحافة فإننا نتحدث عن وسائل الإعلام بشكل عام، ربما يميل المقصود بكلمة “الصحافة” عادة إلى الصحافة التقليدية وهي الصحافة المطبوعة على الورق، لكن مصطلح الصحافة PRESS بات يتداخل اكثر فأكثر مع وسائل الإعلام والاتصال الأخرى أي ال media المسموعة والمرئية والالكترونية.
وأكثر من ذلك فإن وسائل الإعلام التقليدية والقديمة وخاصة الصحف المطبوعة والراديو والتلفزيون باتت تتداخل مع وسائل الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، وإن كان ثمة بعض العلماء والدارسين والمختصين يتوقعون انقراض بعض وسائل الإعلام التقليدية وخاصة الصحف المطبوعة والتلفزيون في ضوء الثورات العلمية والتكنولوجية السريعة والمتواصلة، وهيمنة بعض وسائل الاعلام الاجتماعي التي باتت توفر نفس خدمات الإعلام التقليدي ولكن بحسب مزاج المتلقي ووقت فراغه مثل حضور تقنية الفيديو والافلام وقنوات يويتيوب محل التلفزيون، والمواقع الاليكترونية محل الصحافة، حتى باتت كل إذاعة ومحطة تلفزيونية بل كل مؤسسة لها موقعها الالكتروني الخاص الذي يقدم خدماتها الإخبارية والترفيهية والمتنوعة، وبعد ان اصبح بمقدور كل مواطن يملك هاتفيا ذكيا ومتصلا بالشبكة العنكبوتية أن يوثّق الأحداث، وأن يبث الأخبار والصور من اي مكان هو فيه إلى كل العالم خلال ثوان، اي أن ينقل الأحداث في بث حي ومباشر في وقت حصولها أي in real time وهو ما أحدث ثورة حقيقية في عالم الإعلام والصحافة.
هذه التطورات حملت ابعادا اقتصادية أثرت على تمويل الإعلام وجدوى عمليات الإعلان التي مثلت المصدر الرئيسي لتمويل الصحافة، ولذلك توقفت صحف عالمية كبرى عن الصدور، وسرّحت جيوش موظفيها ومراسليها، واكتفى الآخر البعض منها بإصدار نسخة الكترونية بدل الورقية، ولكن أرى أن من المبكر الحكم بانقراض اشكال معينة وبقاء غيرها لأن التطورات لم تستقر بعد، ومن الصعب أن تستقر في وقت قريب، بل يمكن أن تتعايش الأشكال القديمة مع الجديدة إلى أمد غير معروف، حتى مع ظهور تقنيات جديدة لوسائل التواصل الاجتماعي.
من المؤكد أن تأثيرات الثورة العلمية التكنولوجية على عالم الإعلام والصحافة لا تقتصر على الشكل فقط من حيث الأدوات والوسائل الرقمية والورقية والمسموعة والمرئية، بل باتت تؤثر على المضمون وكيفية تقديمه عبر رسائل مكثفة وقصيرة، وهو ما ينعكس على خدمات الاتصال والإعلام كافة ومن بينها فنون الكتابة الصحفية كالمقالات والتقارير والتحقيقات والأخبار، والفنون البصرية، وابرز الاتجاهات في هذا الشأن هو تقديم المعلومة على شكل وجبات سريعة وقصيرة ومكثفة، وتزامن المؤثرات الحركية والصوتية والبصرية.
غالبا ما يرتبط دور الصحافة بكونها أداة من أدوات صناعة الوعي الجماهيري وتشكيل الراي العام، ولذلك تسعى القوى المسيطرة أو المؤثرة في المجتمع إلى استخدام الصحافة بما يحقق أهداف هذه القوى ومصالحها، فالسلطات والطبقات الحاكمة تسعى إلى نشر ثقافة الرضا والقبول وتعظيم الانجازات وتقليل السلبيات ، بينما القوى والأطراف المعارضة تسعى لتغيير الواقع وانتقاد القوى الحاكمة والمسيطرة، والتقاط اخطائها، وأحيانا تضخيم تجاوزاتها وتحريض الناس على الواقع الموجود من أجل تغييره. ولا يمكن تصور حصول اي تغير اجتماعي مثل الثورات والانقلابات والتحولات العاصفة في المجتمع والانتخابات والصراعات الوطنية والطبقية وحتى الصراع السياسي السلمي والتنافس داخل المجتمع من دون توفر أدوات إعلامية تخدم اهداف القوى المتنافسة أو المتصارعة.
ولكن في عالم يتغير كل يوم وباستمرار بات من المستحيل على اية قوى سياسية أن تسيطر على الفضاء الالكتروني أو ان تواصل وصايتها وهيمنتها على وعي الجمهور، فتحدد له ما الذي يمكن له أن يراه وما لا يراه، وبات من المتعذر حجب مصادر المعلومات مع انفتاح شبكات الاتصال وبجميع لغات العالم على مداها، ومع أن الشركات الراسمالية الاحتكارية الكبرى، والمجمعات الرأسمالية هي التي ما تزال تسيطر على سوق الإعلام بما في ذلك على عمليات صناعة المحتوى،كما يجري مع شبكتي فيسبوك وتويتر اللتين تخضعان للمعايير الأميركية، وحيث تلحظ تأثيرات صهيونية متزايدة، في ما يجوز نشره وما لا يجوز مثل معايير تعريف الإرهاب والعنصرية واللاسامية، كما أن القوى الرجعية المرتبطة بالإمبريالية ما زالت هي القدر على التلاعب بالرسائل الإعلامية وصناعة وعي الجماهير من خلال مواصلة ضخ المعلومات المضللة، وإبراز ما يتناسب مع مصالحها واتجاهات عملها، والتعتيم على ما ترغب في طمسه وإخفائه، ولنا أمثلة كثيرة في هذا المجال مثل شيطنة أنظمة حكم مثل كوبا وفنزويلا والصين وكوريا الشمالية، والتركيز على ملفات حقوق الإنسان في هذه الدول، مقابل غض النظر عن جرائم العنصرية والاستعمار والاحتلال والنهب الجشع من قبل الشركات الاحتكارية لثروات العالم الثالث، ولكل ذلك فإن امام القوى الثورية والتقدمية في العالم تحديات إضافية لتطوير خطابها بحيث تكون قادرة على اختراق قيود الشركات الكبرى والأوساط الرجعية، و إيصال رسائلها إلى اوسع قطاعاعت الجماهير في العالم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى