مقالات

عذرًا.. لستِ وحدك، أيتها “الأتان”!

عبدالله خازر

حتى الأتان “أجلكم الله” لم تسلم من جشع بعض البشر، فقد قرأت مقالًا عن سعي شركات للحصول على الملايين من جلودها لاستخدامها في صناعة كريمات ومواد التجميل لـ “قوارير” العالم، ما ينذر بانقراضها في القريب العاجل.

عذرًا أيتها الأتان، لستِ وحدك، فلم ينجو قبلك الإنسان من ظلم بني جلدته، فقد سلبت حقوقه، وسفكت دماؤه، واستبيحت أوطانه، وانتهكت أعراضه، وهدمت صوامعه، ليس ذلك فحسب، بل أيضًا لم يعد آمنًا على قوت يومه، إلى أن وجد الكثيرون من نسل بني آدم عليه السلام أنفسهم محاربين في لقمة العيش، وفي فقر مدقع، حتى غدت الوظيفة بالنسبة لجلهم “حلم صعب المنال”.

كيف وقد أصبح الواحد منّا في صراع لا ينتهي، ويدور في حلقة مفرغة، لا يعرف سبيلًا للخروج منها، لتبدأ بعدها قصة كفاحه من أجل نيل شرف الوظيفة، التي أصبحت بفعل شروطها التعجيزية لناس دون سواهم، وحكرًا عليهم إن لم نبالغ.

في يومنا الراهن باتت للحمير قيمة أكبر من أي وقت مضى، وبحسب تقارير صحفية فقد وصل سعر الحمار الواحد في أفريقيا 175 يورو، بعد أن كان قبل عامين بحدود 70 يورو، والسبب هو الطلب المتزايد عليها، ويقف خلف ذلك مستحضر طبي يتم إنتاجه من مادة الجيلاتين، التي تؤخذ من جلودها المطبوخة، من شأنه إخفاء تجاعيد البشرة والعقم على ذمة التقارير.

فأين خبراء التنمية وجباهذة الموارد البشرية؟، إلى هذه الدرجة استعصت عليهم الحلول؟، فلم نلمس على أرض الواقع أية مقترحات أو دراسات فعلية لتصويب أوضاع المتعطلين عن العمل، سوى القائمة المنسدلة من الشروط، التي لا تعد ولا تحصى من أجل الظفر بوظيفة، تعيننا على سد رمق الحياة.

المتصفح للإعلانات، والتي غالبًا ما تكون مروسة بعنوان (مطلوب فورًا/ عاجلًا للعمل بمزايا خيالية)، يبدأ الواحد بعد مطالعتها رسم أحلامه الوردية على وقع معاناته، آملًا أن يجد ضالته، فيبادر إلى إرسال سيرته معززة بالشهادات والدورات والخبرات إن وجدت، ويجلس جوار هاتفه ينتظر المقابلة، وقد يطول الانتظار، كم منّا من لا يزال ينتظر رنة هاتفه إلى يومنا الحاضر؟، فهل سيسمع نغمته؟

لا أريد الخوض كثيرًا في شروط الوظيفة، فجميعنا يعلمها، وأولها أن تتكلم خمس لغات في مقدمتها الإنجليزية، عجبًا أنتلكم الإنجليزية وجمهورنا لا يعرفونها؟، والأهم من ذلك خبرة طويلة تصل لعشرات السنين، كيف؟، ومن أين؟، وقد أفنينا زهرة العمر في طوابير الانتظار.

ناهيك عن الواسطة، وهنا الطامة الكبرى، وأخيرًا وبعد أن رن من رن هاتفه، وذهب متعطشًا للمقابلة، وطالع الوجوه، وأصغى جيدًا لأسئلتهم (من أنت؟، لماذا حضرت؟، لماذا تقدمت للوظيفة؟)، فجاوبه بالتأكيد عزيزي لم يأت للترويح عن النفس، وما أن تفرغ من الإجابة، يبادرونك بعبارتهم الشهيرة سنتصل بك لاحقًا، لتفاجئ بعد مرور الزمن بأن الوظيفة التي قابلت لها، كانت مملوءة أصلًا بالشخص المراد، الذي تقف إلى جانبه واسطة قد الدنيا.

للأسف، الحمير والكلاب والفئران والقطط أصبح لها جمعيات ومنظمات تدافع عن حقوقها، آما آن الأوان للدفاع عن حقوق المتعطلين، فقد عقد لأجل الحمير وسواها المؤتمرات والورش سعيًا من المتعاطفين معها -من دعاة الحقوق- لوقف محنتها والانتهاكات التي تمارس بحقها وإنقاذها من الذبح، فإن كنتم للدرجة رقيقي المشاعر، فلما لا تلتفون إلى أبناء جلدتكم؟

أملنا الوحيد في الله عز وجل، أن يخلصنا من خبايا التوظيف وأسراره، ودهاليز الغرف المغلقة، والإعلانات شبه الوهمية، والمقابلات الصورية، التي تتم لإيهام العامة أن التوظيف قد تم بشكل تنافسي بعيدًا عن المحسوبية، واستنادًا إلى الخبرة والكفاءة.

مستشار إعلامي

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى