من دفتر الكرامة
22 الاعلامي – حيدر محمود
«إلى روح بَطل الكرامة وقائدها الخالد الملك الحسين طيّب الله ثراه»
هُنا كانوا..
جراداً يأكلُ الأزهارَ،
والأَطيارَ.. والنَّخْلا
ويَتْرُكها: الضِّفافَ الخُضْرَ
لا قَمحٌ.. ولا دُفْلى!
هُنا كانوا..
ذئاباً يسرقون النَّوْمَ من أحداقِنا
والأَمنَ من أعماقِنا
والشَّمسَ من آفاقِنا.. والحُبّْ
من النَّهرِ الذي لم يُعْطِ غَيْرَ الحبّْ
لنا.. ولكُلِّ ظاميءُ قَلبْ!!
أَتوْاً ليلاً..
وكان النَّهرُ لَحْظةَ أنْ أتوا
مُسْتغرِقاً في الصَّمْتْ
يُصلّي في جلالِ الصَّمْتِ:
(ربّي.. إنّ هذا الماءَ
من دَمِ جُندِكَ الأَبرارْ
فلا تَجْعَلْهُ نَهْباً للأعادي..
اجعلْهُ في جوفِ الأعادي نارْ!)
ولأنّ الدَّمَ لا يُصبحُ ماءْ
ولأنّ الشُّهداءْ
لا يموتونَ.. طَلَعْنا من عُروقِ الشَّجرِ المُحْتَرقِ
وطَلَعْنا من ثَنايا الأُفُقِ
مَرَّةً أُخرى طَلَعْنا
من جنات الخُلْدِ، جئناهُم مَواكبْ
العيونُ السُّودُ شُطآنٌ، فعدّي يا مراكبْ
وانشري أشرعةَ النّصرِ،
على النَّهْرِ الذي «كُرْمى لِعَيْنَيْهِ أَتَيْنا لِنُحاربْ»!
.. ولأنّ الدَّمَ لا يُصبحُ ماء
صارَ لونُ الشَّجَرِ اليابسِ أَحْمَرْ
والثّرى الطَّاهرُ نَوَّرْ
وإذا النَّهرُ جَماجمْ
وإذا الأهدابُ تَمتدُّ سلالِمْ
لِنُعدّيها إلى النَّصْرِ أباةً.. كرماءْ
.. ولأنّ الموتَ في شرعتِنا أَهْوَنُ
من ذُلِّ الهزيمةْ
«هَبّت النيرانُ، والبارودُ غَنّى»
فالفضاءُ الرّحبُ عِطْرٌ
والثّرى الطاهِرُ حنّا..
والميادينُ التي تعرفُنا -من أَوّلِ الدَّهرِ-
بكت لمّا رأَتْنا..
مُسْتَميتين حواليهِ، لِنَمْحو عنه
آثارَ «الهزيمةْ!»..
.. وكان النَّهرُ -لحظةَ أنْ مَضَوْا-
مُسْتغْرِقاً في الصَّمتْ
يُصلّي في جلالِ الصَّمتِ:
ربّي.. إنّ هذا الماءَ
من دمِ جُندِكَ الأبرارْ
فلا تجعلْهُ نَهْباً للأعادي،
اجْعَلْهُ في جوفِ الأعادي نارْ!!
- كانت هذه القصيدة، هي الأولى التي تكتب في «الكرامة الخالدة».. في اليوم التالي للنّصر التاريخي قَهَرْنا فيه «الجيش الذي زعموا أنّه لا يُقهر».. وقد سجّلتُها صوتاً وصورة، على النَّهر، وأَخْرجها حينئذٍ الأخ الصديق زيد فريز، الذي أبدع فيها هو وفريقُه التّلفزيوني البارع.. ولا أدري إن كان ذلك التّسجيل موجوداً إلى الآن، في أرشيف التلفزيون.. أم لا.. ولكنَّ «الكرامة»، كانت أكبر من الشّعر، وأكبر من النّثر، وأكبر من أي إبداع.. لأن قصّتها مكتوبةٌ بدماءِ الشهداء.. وجراح الذين ما زال قسم كبيرٌ منهم بيننا يروونها لأبنائهم، وأحفادهم كل يوم.
المصدر- الدستور