إفطار ملكي مع المقدسيّين
22 الإعلامي – بقلم الاب رفعت بدر
ليست المرّة الأولى التي يُقيم فيها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين مأدبة إفطار لإخوتنا وأشقائنا القادمين من القدس الشريف. ولكنّ لإفطار هذا العام وقعا خاصّا: إنّه يأتي بعد ايام قليلة من عيد الفصح الذي احتفل به المسيحيون سواء في التقويم الغربي، وتلاه التقويم الشرقي بعد أسبوع. كما يأتي في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وبعد تعرّض كلّ من المُصلّين القادمين إلى كنيسة القيامة وإلى المسجد الأقصى للعديد العديد من المضايقات التي فرضتها سلطات الاحتلال بشكلّ ممنهج ومنظّم.
لدى الجلوس على مائدة الملك العائد من مصر الشقيقة، بعد نقاشات مع أخويه الرئيس المصري ووليّ عهد أبوظبي، نجد هذا التحرّك الطبيعي لدى الهاشميّين من أجل القدس الشريف هو محط أنظار العالم أجمع، ولذلك قال بطريرك القدس للاتين بييرباتيستا بيتسابالا: «إن ارتباط البيت الملكي الهاشمي، وخاصة جلالتكم، بالقدس معترف به دولياً. ان دور الحماية والضمانة للجماعات الدينية معترف به ومقدّر. وصوت جلالتك في هذه الأيام كان لنا جميعاً راحةً وتأكيداً لقربك من حياة سكان مدينتنا المقدسة».
ساد الإفطار واللقاء جوّ من الأخوّة والصداقة ما بين المشاركين كرؤساء كنائس في مدينة القدس والأردن، وكذلك المسؤولين على الأوقاف الأردنيّة وأوقاف القدس، بمشاركة بعض الرموز الدينيّة التي تلتقي بجلالة الملك مرارًا للتنسيق وأخذ التوجيهات. كان كلام جلالة الملك صادقًا ودقيقًا وواضحًا بالاستمرار في تحمل جلالته المسؤولية التاريخيّة والدينيّة في حماية المقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة بالقدس والدفاع عنها، وعن حقوق المسلمين والمسيحيين في ممارسة شعائرهم الدينيّة في أماكنهم المقدسة. وكان جلالته قد تكلّم مع الرئيس الأميركي قبل لحظات من بدء الإفطار مما بعث في النفوس اليقين بأنّ جلالة الملك هو السند والظهر الحقيقي للأشقاء الفلسطينيين، وبالأخص في القدس الشريف، وما تتعرّض له من مضايقات.
تحدّث الجالسون على مائدة الملك، بحضور سمو وليّ العهد الأمير الحسين بن عبدالله، وكان هنالك صدق ومشاعر فياضة ببث شكواهم من كثرة الاستفزازات في أقدس الأيام واللحظات الروحيّة التي يحقّ لكل إنسان أن ينعم بها، وهي الحقوق الإنسانيّة الأساسيّة، وأهمها طبعًا حريّة الوصول إلى أماكن العبادة والصلاة بكلّ يُسرّ وأمان. ولكن هذا لم يحدث خلال الايام الماضية، ونأمل فعلاً، كما قال جلالة الملك، وبضمانات أميركيّة، أن يكون هنالك هدوء ومنع أي شخص عابث أن يدخل إلى ساحة الحرم القدسيّ الشريف، وخاصة في هذه الأيام عاليّة الأهميّة لأخوتنا المسلمين الذين سيحتفلون بعيد الفطر بعد أيام.
تحدّث أيضًا رؤساء الكنائس وممثلو أوقاف القدس عن الأمل بالمستقبل في القدس الشريف، وبالأخص بعد زوال جائحة كورونا، من خلال عودة الحجّاج إلى زيارة الأماكن المقدسّة في القدس وسائر الأراضي الفلسطينية. ولكن هذه الصورة قد تمّ تشويهها وهدمها من خلال هذا الاستفزاز، حيث قال أصحاب الفضيلة من المسؤولين عن الأقصى بأنّ هنالك 150 شخصًا ما زالوا جرحى في المستفشيات في القدس، نظرًا لكثرة العنف الذي حصل في الآونة الأخيرة في ساحة الحرم القدسيّ.
نقدّر لجلالة الملك هذه الرعاية الخاصة، وهذا الاهتمام بإخوتنا من القدس، ونحن ككنائس في الأردن نتضامن مع كنائس القدس ومع مساجدها، نظرًا للقيمة التاريخيّة لمدينة السلام، وهي قلب الحياة الدينية لملايين المسيحيين والمسلمين، ونتطلّع دائمًا إلى الثمار اليانعة التي يقطفها الفلسطينيون من خلال الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي يقوم بها جلالته في المحافل الدوليّة، وسوف يكون له زيارة وشيكة إلى الولايات المتحدة، وبدون شكّ ستكون القدس حاضرة في قلبه ووجدانه وتحرّكاته ونشاطاته وكلماته التي سيلقيها أمام الرئيس الأميركي وكلّ المسؤولين معه في الإدارة الأميركيّة.
نقول: شكرًا لسيدنا ابي الحسين، بيتكم عامر يا صاحب الجلالة، والله يعطيكم الصحة والعافيّة. إنّ التعب بعد العملية الجراحيّة بادٍ على محيا جلالة الملك، لكنه مستمرّ في تلبية نداء شعبه في الداخل الأردنيّ طبعًا، وأيضًا لدعم الأشقاء الفلسطينيين. وإنّه لا يتوانَى عن القيام بكلّ تحرّك ممكن في سبيل رفع المعاناة عن المقدسيّين الذين لهم مكانة خاصة في قلب جلالة الملك، وفي قلب سموّ وليّ العهد، وفي قلب كلّ الأردنيّين في بلدهم المقدّس. وكلّ عام وأنتم بخير.
(الرأي)