عشوائية المعلومات.. إيذاء جماعي
22 الإعلامي- نيفين عبدالهادي
عندما تغيب المشاعر الإنسانية، وتسبقها رغبة الانتشار والشهرة وجمع أعداد من المتابعين، وتجميع علامات «الإعجاب»، يصبح الأمر خطيرا في عالم نشر المعلومات وانتشارها، فمن غير المعقول والمقبول أن يغلب هذا الجانب على نوعية المعلومات التي تنشر دون مراعاة لخصوصية الأشخاص وطبيعة الأخبار.
كثيرا ما بتنا نرى ونسمع أخبارا وصورا ومقاطع فيديو حول أحداث تأخذ طابعا شعبويا، مما يجعل بعض وسائل الاعلام أو مشاهير «وسائل التواصل الاجتماعي» يستغلون هذه الأحداث والقيام بنشر معلومات عن الحدث أو الأشخاص المعنيين به، جاعلين منه مادة دسمة لشهرتهم وجمع عدد متابعين و»لايكات» بنسب عالية، متناسين حساسية الحدث، ومشاعر من يمسّهم، وغالبا ما تكون المعلومات التي تنشر من خلالهم خاطئة، أو انتهاكا لخصوصية حياة بعض الأشخاص والقيام بتصويرهم أو تصوير ما يخصهم، وفي ذلك تجاوز إن لم يكن سقطات لكل معايير اخلاقيات المهنة في نشر المعلومات وتبادلها!!!.
ظاهرة بالفعل باتت مقلقة، ومؤذية لمشاعر الجميع، فمن غير المقبول أن يرافق كل حدث استثنائي عواصف من المعلومات التي لا هدف لها سوى سعة وسرعة الانتشار، دون الأخذ بمشاعر أحد وحتى مشاعر وخصوصية المجتمع بشكل عام، وعدم الأخذ بخصوصية ما يتم تبادله من معلومات أو صور أو فيديوهات، ليتوقف كل هذا أمام رغبة البعض في لفت الانتباه لهم ولو كان بأسلوب تغيب عنه تماما الإنسانية، وأخلاقيات تبادل ونشر المعلومات.
ربما اتساع دائرة تبادل المعلومات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي دفع باتجاه بث معلومات على مدار الساعة دون مراعاة لخصوصية الأحداث التي تبث، والتي يمكن أن تدمر أسرا، أو تعرقل عمل جهة رسمية أو حتى جهة أمنية، وكأن هذا العالم الافتراضي يعيش بعيدا عن واقعنا وبعض مستخدميه ليسوا من مجتمعنا، وكأنهم في ماراثون لنقل الأخبار التي في معظمها كاذبة وغير صحيحة، كلّ يسعى للنشر دون مصداقية أو مهنية ودون مراعاة لطبيعة الحدث وآثار أي معلومة بشأنه على المجتمع والأفراد، للأسف أن في هذه التفاصيل ما هو مؤلم جدا، وغير مقبول ويجب التصدي له بشكل حقيقي لمنع تكراره.
أسئلة تدور في ذهني وأعتقد في أذهان الكثيرين، من يتعمّد انتهاك خصوصية عائلة أو شخص، ومن يسعى لنشر خبر هو يدرك تماما أنه ليس صحيحا، ومن يبث معلومات مضللة، أو تدعو لخلق مشاكل وفتن وتُلحق ضررا بالمجتمع أو بأشخاص، ألا يُدرك أنه يرتكب جريمة في مثل هذه الإجراءات، ألا يُدرك أنه زرع الأذى في درب كثيرين بدلا من إماطته، ألا يُدرك أنه اخّر من حلّ مشكلة وزادها تعقيدا، وأنه دفع بتشتيت بوصلة عمل أي جهة رسمية أو أمنية لجهة نفي إشاعات وأكاذيب؟ كلها أسئلة مشروعة وغيرها برسم الإجابة من كلّ من يتعمد نشر هذه المعلومات، أو اقتحام خصوصية أي أسرة بحجة السبق الصحفي أو الظهور في واجهة الحدث حتى وإن كان ظهورا مشوّها!!!!.
دعوا كل مكلوم يعيش حزنه بسلام، بعيدا عن كاميرات هواة الصحافة والاعلام، دعوا المجروح يتعافى بعيدا عن تطفّل باحث عن الشهرة، وسرعة الانتشار، فلم تكن يوما هذه المهنة لتصنع خبرا، أو لتحيا على وجع أحد، دعوا الأحداث تمر دون اختلاق المعلومات وتزييف الحقائق، فالشهرة لا تأتي من المعلومات المضللة والأخبار المزيّفة، لا شكّ أن امتلاك الفرد السلطة المطلقة في بث هذه المعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة دون رقيب وبطبيعة الحال دون ادنى حدّ للمعايير المهنية في نقل المعلومة، كل هذا جعل من تبادل المعلومات وانتشارها عشوائيا وفاقم من أزمات كثيرة، حتى أصبح يشكل حالة من الإيذاء الجماعي، التي تحتاج ضوابط أخلاقية وتشريعية ملحّة.