مقالات

بوتين والعرب

22 الإعلامي- فارس الحباشنة

الرئيس الروسي بوتين ينظر اليه بالاعلام من زوايا مختلفة . وهذا حتما متوقع في غمرة حرب اوكرانيا وتوابعها .
حلف الناتو يتولى الاشراف على تغطيات اعلامية بلغات كثيرة .
في الاعلام العربي ، مؤسسات اعلامية وصحف وشاشات تسمى مستقلة تستشر في حرب اوكرانيا ، والمتابع يخال ان المعركة تطرق ابوابنا ، وان ميادين الحرب تنتظر مقاتلين عربا.
ووسال اعلام عربية اخذت تطوعا في تغطيات حية وميدانية ، ومراسلوها لبسوا الخوذ البيضاء والصفراء ، ونزلوا الى الميدان ، وحملوا خرائط اوكرانيا ، ويتابعون الصواريخ الروسية ، لينقلوا تقارير تقول : ان هناك ضحايا مدنيين اوكرانيين ، وان الصواريخ الروسية اصابت اهدافا مدنية .
ومن بدء حرب اوكرانيا قدمت محطات تلفزيون عربية وصحف ومواقع اخبارية اوراق اعتمادها للناتو والادارة الامريكية ، ونالوا صفة حليف اعلامي في حرب اوكرانيا ، وهذا نوع جديد من العضوية في الناتو ، عضوية « اعلامية « ، وقد تمهد لعضوية كاملة عسكرية وامنية .
الدعائية الامريكية واذرعها في الاعلام تشيطن روسيا وبوتين . وتظهر الروس مجرمي حرب ، ويروجون لخطاب اعلامي رقيق المشاعر والعواطف مع الشعب الاوكراني ، ويولون مساحة واسعة واهتماما في اخبار وتصريحات زلينسيكي الرئيس الاوكراني .
ضمير الغرب ، وحواسهم الانسانية انشغلت فقط في ازمة اوكرانيا ، واما ضحايا فلسطين واليمن وسورية ، والصومال وضحايا كوارث حروب النفط والغاز ،فهؤلاء ليسوا بشرا ولا يستحقون الحياة ، وموتهم لا يستحق ذرف دمعة ، ولا كلمة عزاء ونعي واحدة ..قتل وتهجير وتهديد وجود الفلسطنيين ، لا يستحق مراجعة اخلاقية وانسانية لافظع واقدم جريمة احتلال في التاريخ المعاصر .
في الاعلام الموالي لامريكا والمردد لسردياتها .. ويروي ان روسيا معتدية ، وانها دولة شريرة وتنتهك القانون الدولي ، وانها افسدت النظام العالمي المستقر والامن الذي ارست امريكا قواعده بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، واحتلال العراق وافغانستان وحرب صربيا، ومذابح البوسنة والهرسك .
منظرو شيطنة روسيا ليبراليون ويساريون عرب متعاطفون مع الناتو والرواية الامريكية .. وهؤلاء من روجوا ذات يوم بالكلام المعسول عن الديمقراطية وحقوق الانسان ، والاقليات ، هللوا وزمروا لغزو امريكيا الى العراق وتدميرها .
وهؤلاء « ليبراليو الناتو» يروجون الى ان روسيا قوة امبرالية ، ووجودها خطر على البشرية والعالم .. ذرائع وحجج سرعان ما تنهار امام حقائق تاريخية وواقعية ، وتابعنا كيف ان الاعلام العربي تغاضى عن التعامل مع خبر حظر الحكومة الروسية لنشاط الوكالة اليهودية .
مثال عجيب قليلا ، ولكنه كاف لفضح مكاينزيم الاعلام العربي وحرب اوكرانيا . وتصدرت الاخبار العربية بيانات شجب وادانة ودعم للشعب الاوكراني ، واحزاب ومنظمات مجتمع مدني عربية ليبرالية واسلامية تعاطفت مع الشعب الاوكراني ، وانه ضحية للاعتداء والاحتلال الروسي ، ومقاربته بالشعب الفلسطيني .
مقاربات تخدم الدعاية الامريكية ، وتصفق وراء سردية الناتو ، وعبر استخدام والترويج لدعاية تقول ان روسيا دولة محتلة وقوة امبرالية ، ويتوسعون في الاتهام والشتم للصين ، ودموع التماسيح ومشاعر الاصنام تذرف دمعا على «مسلمي الايغور» ، ويدعمون ويناضلون من اجل انفصال تايوان عن الصين .
كم هي مواقف عربية غريبة ! عرب باعوا روحهم وعرب اطاعوا رومهم .. قالها محمود درويش . وان يكن ما فعلته امريكا في العرب من تمزيق وتجزئة وحروب ونهب للثروات والخيرات ، يدفع اي عربي حر ليتعاطف بحرارة مع اعداء امريكا والناتو ، وليتحدى النظام العالمي الامريكي القديم ، ويتحدى سياسة الطاعة المقدسة الاقتصادية والثقافية للعم سام .
في الراي العام العربي هناك متعاطفون مع بوتين ، والرجل الفولاذي صنع في خيال شعوب عربية ودول العالم الثالث صورة كبيرة لهادم النظام العالمي والاحادية والقطبية الامريكية ..
امريكا سيطرت على العالم واحتلت البحار والمحيطات والقارات على اكفان العرب والمسلمين والشعوب الضعيفة .. وكسر هيمنة امريكا يثير فرحا عند بعض العرب وشعوب العالم الثالث .
طبعا ، روسيا دولة ولها مصالح ، وفي سياساتها تشتبك مع العالم الصديق والصديق اللدود من زوايا نفعية وبرغماتية .. امريكا امبراطورية موغلة في الامبرالية ، وعداء الحضارات والشعوب الاخرى ، وبالنسبة لامريكا كل شعوب العالم اعداء ، وعدا عن اتباعها ومواليها والخائفين من جبروتها وسطوتها العسكرية والاقتصادية .
حرب اوكرانيا وما بعدها ، لا تعني حتما سقوط وزوال امريكا .. ولكن ثمة انقلاب في النظام العالمي وتفكيك للاحادية الامريكية ، وتعرية لخطاب الصوت الواحد الامريكي .. وثمة مؤشرات على ان الامبريالية الوحيدة في العالم خطر محدق ، والشعور بالخطر قد يدفعها الى التهور والجنون ، وصناعة مزيد من الشر في العالم، ودائما نحن العرب ضحايا وساحة للصراعات والحروب، وما اشد خيبة وتعاسة العرب !
الدستور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى