22 الاعلامي – كتبت حنين البطوش – أخصائية نفسية وتربوية
للشتاء رونق خاص،بمطره المتلألئ،وخيراته الجمّة،فهو فصل العطاء والمحبّة والأمل،حيث يعتبره البعض فرصة لجلوس الآباء مع أبنائهم،وممارسة الطقوس العائلية التي تتوفر في أجواء فصل الشتاء،مثل شوي الكستناء والبطاطا الحلوة،وممارسة بعض الألعاب،وتجاذب الأحاديث العائلية ويعتبره البعض موسماً لاغتنام أوقاته ببعض الطاعات فذلك من حيث كون أدائها سهلاً فيه مقارنة مع بقية مواسم السنة،لما أودعه الله في فصل الشتاء من الخصائص والمزايا ولأن المؤمن يرتع فيه في بساتين الطاعات ويسرح فيه بميادين العبادات،وينزه ويروح عن نفسه الأعمال الفاضلة ،استناداً عما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم:الشتاء ربيع المؤمن،يطول ليله للقيام ويقصر نهاره للصيام.
في حين أن البعض يتخذ الاكتئاب رفيقاً له في فصل الشتاء وصولاً بما يسمى الاكتئاب الشتوي الذي يصيب الملايين في أنحاء العالم،وهو نوع من الاضطرابات العاطفية الموسمية التي تبدأ نتيجة تغير فصول السنة حيث يبدأ وينتهي في نفس الوقت من كل سنة،وغالبًا ما تظهر أعراضه مع بداية فصل الشتاء وتستمر هذه الأعراض حتى فصل الربيع.
وينشأ الإكتئاب الشتوي مع تقلص ساعات النهار وتلبد الغيوم والبرد القارس وهطول الأمطار وقلة الإضاءة الشمسية،مما يؤدي إلى اختلال في توازن الهرمونات،حيث تتسبب في زيادة إفراز هرمون“الميلاتونين”الذي يسبب الشعور بالتعب والخمول.
ويعتبر الاكتئاب الشتوي أحد الاضطرابات التي قد يقع ضحيتها كثيرون من حيث لا يعلمون،الأمر الذي يؤدي إلى شعور الكثير ببعض الكآبة والحالة النفسية السيئة،وتقلب بالمزاج والإحباط والملل العام،إضافة إلى الشعور بالضيق المستمر والتعب وصعوبة الاستيقاظ في الصباح وقلة النشاط وانخفاض مستوى الطاقة وتغيرات في الشهية،خاصةً الرغبة الملحة في تناول أطعمة غنية بالكربوهيدرات والسكريات.
وقد تكون عند بعض الأشخاص أشدّ تأثيراً،إذ من الممكن أن تصل إلى النوم لفترات مبالغ بمدتها والشعور بالضيق والحزن والعجز والوحدة والتعاسة والإعياء الخفيف ،بالإضافة إلى مشكلات في مهارات الاتصال مع الآخرين والحساسية الشديدة تجاه الرفض أو النقد،والشعور بثقل في الذراعين والساقين أكثر من المعتاد الذي ينعكس على أداء المهام اليومية والتمتع بنوعية حياة جيدة.
والأكثر تعرضاً لهذا الاكتئاب هم المراهقون والنساء حيث تصل نسبة تعرض النساء إلى أربع أضعاف الرجال،نظراً للتغيرات المزاجية قبل فترة الحيض أو تغير الهرمونات بصورة كبيرة.
ولتقليل آثار هذه الحالة النفسية التعامل بإيجابية وعدم الاستسلام لها واستخدام علاجات طبيعية تساعد في التخلص من الإكتئاب،أهمها الخروج والتعرض لضوء النهار قدر المستطاع لأن أشعة الشمس تعتبر المحفز الأول لأفراز الدماغ هرمون السيروتونين الذي يعزز الحالة المزاجية والشعور بالسكينة ولا بأس بالضوء الاصطناعي الذي يحدث تغيرات كيميائية بالدماغ ويساعد على تحسين الحالة المزاجية وبسبب افتقار فصل الشتاء للشمس يحدث نقص في فتامين”D”بالجسم ومن المهم تنشيطه من خلال تناول المكملات الغذائية وبعض الأطعمة كالحليب وصفار البيض، إضافة لفيتامين “B” الذي له تأثير مباشر على مستويات الطاقة ووظيفة الدماغ وإنتاج هرمون السيروتونين،وتناول بعض الأطعمة الصحية التي يمكن أن تساعد في منع الاكتئاب الشتوي وتعمل على تحسين المزاج كالموز والشوكولاته الداكنة والأفوكادو والمكسرات لإحتوائها على الألياف الصحية والمغنيسيوم.
والابتعاد عن تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين كالقهوة والشاي،كونها من المنبهات وعدم استخدام الكحول أو المخدرات،إذ إنها يمكن أن تزيد من الاكتئاب،إضافة إلى ممارسة الرياضة التي تعد من أهم الخطوات لتخلص من حالة الاكتئاب وتقلب المزاج والتي تساهم أيضاً بأنتاج هرونات الأندورفين التي تقلل من الألم وتزيد من مشاعر الرضا وتحسن من مستويات الطاقة للفرد،وأهمها السباحة والمشي،ولا بد من التواصل الاجتماعي مع الآخرين ونبذ العزلة أوالانطواء خاصة بهذه الفترة من السنة،والابتعاد عن الأمور التي قد تزيد من التوتر والقلق في جميع شهور السنة بشكل عام،حيث أن الإجهاد والتوتر يؤدي إلى تفاقم الاكتئاب.
وفي الختام لا بد من التنويه أن الاكتئاب الشتوي يعد أكثر خطورة على الصحة الجسدية والنفسية في حال ترك دون علاج،وقد تؤدي الحالات الشديدة جدًا إلى تفكير المصاب بالانتحار أو إيذاء نفسه،لذلك يُنصح باستشارة الأخصائي والطبيب النفسي.