22 الاعلامي – بقلم عائشة النوباني
حديثُ موتٍ يتغنى بالمكانِ وتفوحُ رائحةُ الدماءِ منْ هنا وهناكَ ويرتدي فيها أهلُ غزةَ الأكفانَ وهمْ ليسوا بالأكفانِ شهداء يتساقطونَ على الأرضِ كما الأمطارِ وبدمارِ غزةَ توقفَ الميقاتِ وكأنهُ يومُ الميعادِ قدْ حانَ وأحلامَ طفولةِ وفرحةِ شبابٍ تلاشتْ تحتَ الدمارِ وهناكَ شهيدٌ وطفلةٌ وشابٌ تحتَ ذلكَ الركامِ وبنفسِ المكانِ تصرخُ أم مفجوعةٍ ولدي لا زالَ قلبهُ ينبضُ لكنَ دماغهُ قدْ ملأَ المكانُ ووقفُ الطبيبِ صامتا أمامَ أبٍ مكلومٍ قدْ فقدْ كلّ أبنائهِ بضرباتِ رصاصٍ اخترقتْ الأجسادُ وتالا تناشدَ المارةَ أهناكُ قطرةَ ماءٍ تطفئُ ظمئي أوْ تمرةٍ أطعمها لأبيٌ فقدْ نهشَ جسدهُ الجوعُ كما تنهشُ النيرانُ بالأخشابِ ورهفْ تنظرَ منْ الشباكِ على جسدِ زوجها وهوَ محملٌ على الأكتافِ وامرأةِ سبعينيةٍ قدْ أبيدتْ عائلتها حتى الأحفادِ ومريمْ بترتْ قدميها دونما أيّ مخدرٍ ولا دواءً حتى الأجنةِ تمَ اغتيالها في الأرحامِ وأطفالِ وآلافِ الأطفالِ شردوا بلا مأوى بلا زادَ حتى صهيبْ صاحبِ الأربعةِ أعوامٍ لمْ يسلمْ منْ قسوةٍ العداونْ الغاشمَ فقدَ اغتيلة عائلتهُ بأكملها حتى الأجدادِ وبقيَ وحيدا في الطرقاتِ وجنى طفلةً لما يتجاوزُ عمرها الخمسةُ أعوامِ قصفهِ عائلتها داخلَ مركبتهمْ أثناءَ النزوحِ وبقيتْ هيَ داخلِ المركبةِ تنتظرُ مصيرها المجهولَ ويوسفْ ذو الشعرِ البرتقاليِ ذهبَ إلى السماءِ دونما طعامٍ ومحمدْ يبكي أمهُ أمي عودي فقطْ لنْ أغضبكُ ولنْ أشعلَ النيرانَ بالمكانِ ساميةً وخلودَ وعهودَ التوأمتينِ تبكيانِ أمنا غادرتنا ولا نعلمْ عنها أيةُ خبرَ ندى وإسراءٌ أختانِ لمْ يبقَ لنا أيُ أحدٍ بالإرجاءِ أمي وأبي استشهدا وها نحنُ على أبوابِ رمضانْ ولا أم تعدُ لنا الطعامُ ولا أبٍ يشتري لنا ملابسُ العيدِ دونما أيّ ثمنٍ دمرتْ أرضنا وهدمتْ منازلنا دونما أيّ سببٍ وتقطعتْ بنا السبلُ ولمْ يبقَ لنا سوى روثْ الحيوانِ للأكلِ وللطعامِ وبقيَ الوطنُ بلا سندٍ بلا مالٍ وبلا رجال سوى القلةِ القليلةِ منْ دفعوا أرواحهمْ ثمن لترابِ الأوطانِ وهاهنا سعيدْ وميثاقِ ورواءْ ونماءُ والكثيرُ الكثيرُ منْ الأطفالِ والآباءِ عاشوا بالمجهولِ دونَ معرفةِ ماذا حلَ بالأهل والأصحابُ وتبقى فلسطينُ أرضَ الطهرِ مقدسةً حتى دنسها اليهودُ الأوغادُ
حديثَ موتِ
عائشة النوباني