22 الاعلامي – بقلم الاستاذة ديما يوسف المجالي
التنمر هو ظاهرة اجتماعية لكن بدأت تشق طريقها الى عالم الحياة السياسية ورموزها واحزابها، ليخرج لنا مصطلح ” التنمر السياسي” وحتى اكون أكثر دقة أدعيها بالبلطجة السياسية فهو سلاح الضعفاء المفلسين سياسيا وفكريا ويستخدمونه كأداةٍ لتحقيقِ مصالحِهم الشخصيةِ، بدلاً من العملِ من أجلِ المصلحةِ العامةِ أو لتحقيق انتصارات وهمية وشعبية زائفة في الوسط السياسي وفي وسائلِ التواصلِ الاجتماعيّ، وغالبا ما يكون الدافع وراء هذا التنمر هو حاجة المتنمر للترفيه أو للفت الانتباه او وسيلة للتعبير عن شعوره بالغضب والاحباط او الرغبة في الانتقام من شخصيات سياسية أو أفكار سياسية مخالفة لأفكاره.
للأسف، يُعدّ التنمر السياسي سلوكًا مُنتشرًا في الأردن، كما هو الحال في العديد من الدول ويلاحظ ازدياده خاصة في الآونة الأخيرة و بشكلٍ خاصٍّ عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيّ، حيثُ تُتيحُ هذه المنصاتُ سهولةَ التعبيرِ عن الرأيِ دونَ قيودٍ، ممّا يُشجّعُ على نشرِ الشتائم والإهانات والسخرية والتعليقات غير اللائقة والتهديداتِ ضدّ المُخالفينَ في الرأيِ، والترويج للإشاعة ونشر الاكاذيب والمعلومات المضللة وفيديوهات وصور محرجة عبر هذه المنصات.
تعددت صور التنمر السياسي في الاردن ، فمنهم من يهاجم الحكومة أو شخصياتٍ سياسيةً معيّنةً دونَ وجهِ حقّ، فقط لأنّهمْ يشعرونَ بأنّ أصواتهمْ غيرَ مسموعةٍ، ومنهم من يتبع أسلوب التعصب السياسي بممارسة التنمر ضدّ أشخاصٍ ينتمونَ إلى أحزاب سياسية أو تيارات فكرية مُخالفةٍ لهم، وهناك من يُهاجمُ بعضُ مؤيّدي فكرة سياسية معيّنةً أشخاصًا يُعارضونَ هذهِ الفكرةَ، أو قد يُحاولونَ إسكاتَ أصواتِهمْ، والأسوأ هو خطاب الكراهية حينما يهاجم بعضُ الأشخاصِ شخصياتٍ سياسيةً معيّنةً باستخدامِ ألفاظٍ نابيةٍ أو مهينةٍ ، أو قد يُنشرونَ شائعاتٍ كاذبةً وتطال حياتهم الشخصية وإرسال رسائلَ مُهينةً أو مُخيفةً إلى شخصياتٍ سياسيةٍ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعيّ، أو قد يُنشئونَ حساباتٍ وهميةً لنشرِ الشائعاتِ عنهمْ.
اذا استمر التنمر السياسي سوف يخلق مناخ سياسي مسموم ومعادٍ للحوار ويهدد الاستقرار السياسي ، ويثبط عزيمة المواطنين عن المشاركة في الحياة السياسية خوفًا من الهجوم ونشر الاخبار الكاذبة وتشوية السمعة و إلحاق الأذى النفسي والجسدي لهم ، وهنا لا نغفل عن تأثير هذا التنمر على النسيج الاجتماعي الذي يتم تمزيقه نتيجة اثارة الفتن و فقدان الثقة بين الناس ، وبذلك تظهر البلد بأنها بلد غير ديمقراطي يمارس فيه القمع والعقاب على المخالفين في الرأي مما يؤثر سلبا على العلاقات الخارجية وعلى الاستثمارات والسياحة وإضعاف الاقتصاد الوطني.
ولابد من التصدي لهذا السلوك، وذلك من خلال دعم البرامج والمبادرات التي تعزز ثقافة الحوار وقيم التسامح والاحترام بين افراد المجتمع والتوعية بمخاطر التنمر السياسي ،و إشراكُ الشبابِ في مُكافحةِ هذه الظاهرةِ لأنّهمْ الأكثرُ تأثرًا بها ، ويجب تعزيز دور وسائلِ الإعلامِ والمؤسساتِ التعليميةِ والمجتمعِ المدنيّ بنشرُ الوعيّ حولَ مخاطرِ التنمرِ السياسيّ وآثارِهِ السلبيةِ على المجتمعِ، وذلك من خلالِ الحملاتِ التوعويةِ في وسائلِ الإعلامِ ومواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ والبرامجِ التعليميةِ، والدور الأكبر يقع على عاتق الحكومة بسن قوانين حازمة وتطبيقها بشكل صارم على من يمارس التنمر السياسي بغضّ النظرِ عن انتمائهِ السياسيّ أو منصبهِ .
وبذلك يُعدّ التنمر السياسيّ سلوكا خطيرا يهدّدُ استقرار المجتمعِ والديمقراطيةَ في أيّ بلدٍ يتواجدُ فيهِ. والتصدي له هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق جميع أفراد المجتمع ومؤسساته، وتتطلّبُ منّا التزامًا دائماً ونضالاً متواصلاً. وكلّما زادتْ جهودُنا في مُكافحةِ هذا السلوك، كلّما ازدادَ مجتمعُنا ديمقراطيةً وازدهارًا.