22 الاعلامي – بقلم العين عبدالحكيم محمود الهندي
بكل الحب، تستقبل عَمّان السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عُمان، وبكل مشاعر الأخوة، يلتقي جلالة الملك عبدالله الثاني، أخيه السلطان العُماني، وأما سبب هذه المشاعر الجياشة، فلأن هذه العلاقة هي امتدادٌ لتلك العلاقة التاريخية التي وضع أُسسها المتينة والصلبة القائدان العربيان التاريخيان المغفور لهما بإذن الله صاحبا الجلالة الملك الحسين بن طلال، والسلطان قابوس بن سعيد.
ولأن الحاضر هو امتداد للماضي، ولأن الحِكمة هي نبراس المُلْك وأحد أعمدة الحُكم المتزن، فإن بوصلة عَمّان ومسقط طالما استقرت في تجاه العمل الدؤوب لتوطيد هذه العلاقة الأخوية وتعميقها أكثر وأكثر خصوصاً وأن النهج السياسي لكلا البلدين الشقيقين يكاد يتطابق وينسجم في كل القضايا العربية والدولية، فالعناوين الهامة لسياسة البلدين تكمن في التأكيد على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام سيادة الدول، فهذا نهج الأردن، وهو ما أكد عليه السلطان هيثم آل سعيد في أول خطاب له بعد توليه مقاليد الحكم في العام 2020.
وكما الدور المحوري والكبير الذي يلعبه الأردن في القضايا العربية والدولية، فإن سلطنة عُمان تعد رقماً صعباً وحجر زاوية أيضاً في هذه القضايا بحِكمة وبُعد نظر قيادتها، وباعتدال سياستها ووضوحها، وهنا ربما نتوقف، خصوصاً، عند الدور السياسي الكبير الذي تلعبه مسقط في الحفاظ على أمن واستقرار الخليج العربي، فلطالما كانت تُفاجيء العالم بحلحلة أعتى الأزمات الخليجية وتجنيب هذا الجزء الهام من الأمة العربية، أية مواجهات مع الجيران، لا سيما الجارة إيران، فكانت مسقط تفكك العُقد، مهما “تعقّدت”، بكل هدوء وبعيداً عن الصخب، ولا تظهر إلا وهي تقدم الحل.
إذن هي السياسة “الهادئة”، وهي فِراسة القيادة التي تُعد العامل المشترك بين البلدين الشقيقين، وفي تفاصيل التاريخ “قرينة” هذه العلاقة وتفسير لسر صلابتها، فقد وقف الأردن قيادةً وحكومةً وشعباً إلى جانب سلطنة عُمان منذ بواكير نهضتها المباركة، مواكباً مسيرة الخير والبناء والتطور فيها، وسارع لتلبية احتياجاتها من الكوادر والخبرات المؤهلة في المجالات التربوية والاقتصادية والثقافية والطبية، وفي الوقت عينه، كانت سلطنة عُمان سنداً للأردن في مواجهة التحديات، ودعمته في قضاياه وتوجهاته.
وغير التطابق في المواقف والتوجهات السياسية التي تقوم، كما أسلفنا، على الاعتدال ودعم الشرعية الدولية في كافة القضايا، فإن التعاون الاقتصادي بين البلدين يُعد مضرب مثل بين “الأشقاء”، هذا غير التعاون في المجالات العلمية والأكاديمية، ففي الأردن هناك نحو 1500 طالب وطالبة عمانيين يدرسون في الجامعات الحكومية والخاصة الأردنية، كما أن في عُمان فإن قرابة ستة آلاف مواطن أردني يعملون في القطاعين العام والخاص، ويتركزون بشكل رئيس في القطاعات التربوية والأكاديمية والتدريبية والهندسية والوظائف الإدارية والمالية في الشركات والمصارف والمصانع.
كبيرة وعميقة تفاصيل العلاقة الأردنية العُمانية، ولأن لا مجال لذكرها كلها في هذه العُجالة، فقد كان من الضروري الإضاءة على بعضٍ منها، لكن ما يجب أن نتوقف عنده في هذه الزيارة التاريخية للسلطان هيثم آل سعيد إلى الأردن، وهي الأولى له منذ توليه مقاليد الحُكم، للقاء أخيه جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، فإن الزيارة تأتي في ظرف وتوقيت حساسٍ جداً واستثنائي لا سيما على صعيد قضية العرب والمسلمين الأولى، وهي القضية الفلسطينية، فالعيون ترقب مباحثات الزعيمين الكبيرين ونتائجها، فالتاريخ الآن يُكتب من جديد، لكن أكثر تفاصيل الألم فيه أنه يُكتب بدماء أهلنا في غزة وفي كل فلسطين، وهو “العنف” والعدوان الذي ما فتئت عَمّان تحذر منه ومن تبعاته التدميرية على المنطقة والعالم، فجلالة الملك لم يهدأ منذ أول رصاصة، فجال العالم بحثاً عن حل لوقف نزيف دماء الأهل، وكذلك كان الصوت في مسقط التي تطابقت مع الموقف الأردني، وها نحن الآن أمام لقاء عربي – عربي كبير تتطلع إليه أنظار الشعب الفلسطيني ليشكل ضغطاً وفارقاً سياسياً في هذه المحطة الدامية من تاريخ القضية الفلسطينية.
وأما أردنياً وعُمانياً، فإن الشعبين يتطلعان دوماً إلى مزيدٍ من العلاقات الأعمق والتي توطّد العلاقات أكثر وأكثر لتنعكس عليهما بمزيدٍ من الخير كما كانت، وما زالت، منذ عشرات السنين.