22 الاعلامي
فاطمة البدارين
بصيص أمل من خلال الدعم الدامج
( من حقي أن أتعلم) ،،،
عبارة قالها طفل يعاني من تشوه شديد في يده تمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي مثل باقي الأطفال ممن هم في سنه.
ولكن بإصراره على حقه في التعلم وخوض تجربة العلم والحياة المدرسية والتي لم تخلُ من التصرفات السلبية لأقرانه في المدرسة والتنمر الحاد الذي ترك أثراً واضحاً في نفسية هذا الطفل البريء،، حيث كانت كل هذه التحديات هي المحرك نحو التميز والمضي قدماً في حياته المدرسية الأكاديمية.
هو موقف من مواقف كثيرة توضح حب العلم لدى الكثير ممن يعانون إعاقة جسمية أو عقلية أو سمعية أو غيرها والتي من شأنها منع الطفل من الانخراط في المدارس الحكومية أو الخاصة.
ومع تطور النظرة التربوية في النظام التربوي في العالم العربي ومنها المملكة الأردنية الهاشمية بدأ بصيص الأمل ينطلق في قلوب هذه الفئة من خلال تطبيق ( التعليم الدامج) والذي جعل المجتمع يغير نظرته نحو استحالة هذه الفئة من اخذ حقهم في التعليم أو المحاولة في العيش حياة طبيعية .
فما هو التعليم الدامج؟ وما هي إجراءاته ومبرراته؟ وما هي الآثار الايجابية التي تعود على المجتمع ، المدرسين ، أولياء الطلبة والطلبة أنفسهم من خلال تطبيق هذا النوع من التعليم؟
سأحاول على عجالة الإجابة عن هذه الاستفسارات والتي من شأنها رسم تصور مبسط حول هذا الموضوع.
مفهوم التعليم الدامج :
عرفت اليونسكو التعليم الدامج بأنه تأمين وضمان حق جميع الطلبة ذوي الإعاقة في الوصول، والحضور والمشاركة والنجاح في مدرستهم النظامية المحلية، ويتطلب التعليم الدامج بناء قدرات العاملين في المدارس الموجودة في الأحياء، والعمل على إزالة الحواجز والعوائق المادية التي قد تحول دون وصول وحضور ومشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة من أجل تعليم نوعي لجميع الطلبة، وتحقيق الانجازات التعليمية في هذا المجال.
وهناك من عرفّه على أنه إلحاق جميع الطلبة – بغض النظر عن أي تحديات قد يواجهونها- في فصول التعليم العام المناسبة لأعمارهم والموجودة في مدارس المنطقة التي يسكنون فيها لتلقي كافة الخدمات والبرامج الداعمة العالية الجودة بما يمكنهم من تحقيق النجاح في المناهج الأساسية.
مبررات التعليم الدامج:
هناك العديد من المبررات التي طرحت لتجذير مصطلح التعليم الدامج ، حيث يتعارض حرمان الطلبة ذوي الإعاقة من التعليم الدامج جملة وتفصيلا مع جوهر حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، والحق في التعليم والاندماج في المجتمع والفردية وحرية الاختيار واتخاذ القرار بشكل خاص.
ومن جهة أخرى ، هناك العديد من الفوائد الأكاديمية والاجتماعية والتي تترك أثراً ايجابياً للتعليم الدامج على الطلبة الذي يعانون من الإعاقة مهما كان نوعها والطلبة السليمين وفق ما أثبتته الدراسات والأبحاث العلمية .
إذ أظهر الطلبة نسبة أعلى من التقدم الأكاديمي في الفصول الدراسية الدامجة بدلا من فصول التعليم الخاص التقليدية.
وتوفر الفصول الدراسية الدامجة تعليماً أفضل لجميع الطلبة وتلعب دوراً أساسياً في تغيير الوجهات السلبية التميزية الموجودة في المجتمع تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة.
ومن إحدى المبررات كذلك أن التعليم الدامج يلعب دوراً فاعلاً إيجابيا في إعداد الطالب ذو الإعاقة ليكون قادراً على العيش بصورة مستقلة والتي من شأنها غرس روح الاستقلالية والاعتماد على الذات بدلاً من العيش في بيئات تكرس مفهوم الاعتمادية والكسل والتعلم السلبي.
أما من الناحية الاقتصادية فإن التعليم الدامج يعتبر أقل كلفة من التعليم الخاص المنفصل، وذلك على المدى المتوسط والطويل، نظرا لما يوفره من بيئات شمولية تستوعب جميع الطلبة وتلبي متطلباتهم ، إلى جانب ما يوفره التعليم الدامج من سياق ايجابي يسهم في انخراط الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل ويقلل من معدلات البطالة ويقلل من وجود البيئات التهميشية التي تؤدي إلى العزلة، والذي بدوره يمنع التبعات المترتبة عليها ، مثل ارتفاع معدلات الجريمة وتفشي السلوكيات الاجتماعية والفردية السلبية التي تحتاج بدورها إلى موارد مالية طائلة لمعالجتها.
أما الآن سأذكر الفوائد الجمة التي تعود على الطلبة وأولياء الأمور والمجتمع عموماً من التعليم الدامج.
و فيما يتعلق بفوائد التعليم الدامج على الطلبة فهو يزيد من الثقة بالنفس واحترام الذات من خلال مخالطة أقرانهم في الغرف الصفية. ومن جانب آخر فإن هذا ينمي المهارات الاجتماعية والتواصلية لكلا الفئتين من الطلبة ذوي الإعاقة والطلبة السليمين ،
حيث تتنامى لدى الطرفان المهارات التواصلية والوصول لنقاط فهم مشتركة والتي من شأنها غرس روح التسامح وحب الآخرين والعفو وغيرها من القيم التي تعود بالإجمال ايجابيا على المجتمع المدرسي والمجتمع ككل مما يذيب العنصرية ،
وتغير المنظور التقليدي حول الطلبة ذوي الإعاقة من جهة الأطفال السليمين وعائلاتهم والذي بدوره يحتضن هذه الفئة في المجتمع.
أما من جهة أخرى إذا كان هناك تفاعلاً ايجابياً بين جميع أفراد الصف فإن القدرة على الإبداع تتزايد مما يجعل التعلم ذاتياً مستقلاً وهذا يغذي الرقي في المستوى الأكاديمي وتحقيق الأهداف المرجوة في العملية التعليمية التعلمية.
وتكمن الفوائد التي تنحصر في فئة المعلمين فأعتقد أن المعلمين ممن لديهم طلبة من ذوي الإعاقة يسعون لتطوير فهمهم للوصول إلى إدراك أعمق حول الطرق المثلى للتعامل مع هذه الفئة وتغذية التعلم الايجابي لديهم مما ينمي المعلم مهنياً واجتماعياً وسلوكياً. ومن هذه النقطة تتطور لدى المعلم نظرته حول التنويع في استخدام شتى الاستراتيجيات التي من شأنها ملاقاة اهتمام وحاجات الطلبة في الفصل والتي تحفز التعليم الايجابي من جهة وطرق التقويم البديل للتأكد من تحقق الأهداف المرجوة لهذه الفئة من جهة أخرى.
ومن جانب آخر فإن المعلمين يقومون بتبادل الخبرات حول التجارب والمواقف التي قد يمرون بها على مستوى البلد أو الإقليم والذي بدوره يعين على تنمية مهارات التفكير الايجابي الإجرائي لديهم مما يثري العملية التعليمية من جهة وتطوير النزام التربوي من جهة أخرى.
وفيما يخص فوائد التعليم الدامج لأولياء الأمور فحدث ولا حرج .
حيث أن الأهل يفرز لديهم تفكيراً أعمق حول المهارات التي يكتسبها أولادهم في المدرسة وبالتالي تطوير أساليبهم وطرقهم لتتلاقى الجهود عما يدرس في المدرسة ، حتى تتحقق الفائدة العظمى لأبنائهم.
وهنا نعرج إلى موضوع استقبال وإرسال التغذية الراجعة الفاعلة للمدرسة وبالتالي استثمار جميع الجوانب التي من شأنها إثراء العملية التعليمية للمدارس التي تبنت التعليم الدامج.
ومن جهة أخرى فإن التعليم الدامج يحسن فرصة أولياء الأمور من قدرتهم على المطالبة بحقوق أبنائهم في الحياة لتمثيل المواطنة الصالحة باعتبارهم أفرادا في المنظومة الاجتماعية.
والمشاركة في صنع القرار فيما يخص مصلحة أبنائهم وبالتالي تعزيز النسيج الاجتماعي من خلال فهم الحقوق والواجبات في المجتمع مع هذه الفئة من الطلبة. وبالتالي الوصول إلى المناهج المطورة التي تراعي حاجات الطلبة ومشاركة أولياء الأمور في تطوير المناهج الداعمة التي تدرس لهذه الفئة من خلال الاستفادة من التغذية الراجعة كما أشرت سابقاً.
أما فيما يتعلق بإجراءات دمج الطلبة ذوي الإعاقة في المدارس النظامية فهي ليست بمعقدة حيث تبدأ من خلال تهيئة البيئة المدرسية والاجتماعية من خلال رفع الوعي لدى الطلبة والمعلمين والمجتمع المحلي بأهمية التعليم الدامج .
ومن هذا المنطلق يجب تدريب المعلمين والكادر الإداري على الدمج حتى تكون الأمور واضحة لجميع الأطراف.
وهنا يجب تسليط الضوء على أن الأهل يلعبون دوراً حيوياً في تعليم الطلبة ذوي الإعاقة من خلال العمل التشاركي مع المعلمين ومقدمي الخدمة للآخرين ( فريق التعليم الدامج) ، والتي تؤثر على اتجاهاتهم بصورة كبيرة نحو نجاح أو فشل هذه العملية ، حيث أن دور الأهل يبدأ بتسجيل أبنائهم في المدرسة ويستمر من خلال المتابعة مع المدرسة ومتابعتهم في المدرسة ويشتمل هذا على الموافقة على إجراء التقييمات الضرورية.
إن مشاركة الأهل في برنامج التعليم الدامج يبني علاقات ايجابية بين أولياء الأمور والطلبة ، ويشجع السلوكيات الايجابية الجديدة ويزيد الرضا الذاتي والقدرة على الاعتماد على الذات من جهة وفاعلية التعلم لمهارات والتواصل الايجابي مع باقي أفراد المجتمع من جهة أخرى.
من الضروري لا بد إشراك أولياء الأمور للطلبة السليمين من خلال بناء ثقافة التقبل والدعم لدى أطفالهم تجاه اقرأنهم من أصحاب الإعاقة وتعليمهم أنهم (أصحاب همم) وليسوا (معاقين) حيث أن المعاق هو من يعيق فهمه وإدراكه.
وهم فئة حباها الله بذكاءات عديدة من شأنها تحسين التعلم إذ أن الإعاقة ليست سوى تحدي لهذه الفئة.
وفي الختام ، فإن مسؤولية انخراط هذه الفئة في المدارس النظامية تقع على عاتق المجتمع جميعاً فهي مسؤولية مجتمعية تبدأ من الأسرة وتنشئة أبنائنا على حب الآخرين وغرس قيم التسامح واحترام الآخرين وتقديم يد العون ليزهو وطننا الحبيب في مصافي الأمم.