المجالي تكتب : في الذكرى السنوية الأولى ، هل حقق الحصار على غزة أهدافه الاستراتيجية؟
22 الاعلامي – بقلم ديما المجالي
تمر علينا الذكرى السنوية الأولى لفرض الحصار على قطاع غزة، حيث يعاني ما يزيد على مليوني شخص من عزلة خانقة وأزمة إنسانية غير مسبوقة،هذا الحصار أدى إلى تدهور الأوضاع في كافة جوانب الحياة: الصحية، التعليمية، الاقتصادية والاجتماعية.
ففي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت حركة حماس هجومًا غير مسبوق أدى إلى مقتل 1200 إسرائيلي واختطاف أكثر من 200 آخرين. في المقابل، ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، بلغ عدد شهداء الفلسطينيين 41,870، وجرح 97,166 آخرين، أغلبهم من الأطفال والنساء. دمرت آلاف المباني والمنازل، مما أسفر عن نزوح 1.9 مليون شخص، أي 90% من سكان غزة.
أشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن 84% من مساحة غزة خضعت لأوامر إخلاء من الجيش الإسرائيلي، فيما تضرر 66% من المباني. الأكثر تضررًا كانت مدينة غزة التي شهدت تدمير أكثر من 36,000 مبنى. وتشير التقديرات إلى أن إعادة إعمار القطاع قد تستغرق 80 عامًا، بينما سيستغرق تنظيف القطاع من الذخائر غير المنفجرة نحو 14 عامًا.
أما النظام الصحي في غزة شهد انهيارًا شبه كامل، مع خروج معظم المستشفيات عن الخدمة. الأمم المتحدة وصفت الوضع في غزة بأنه “جحيم على الأرض”، وسط معاناة السكان في ظل نقص حاد في المواد الأساسية، بينما تستمر إسرائيل في تلقي الدعم العسكري من الولايات المتحدة ودول أخرى.
ومنذ بداية الحصار، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، تتلخص في:
يسعى إلى إضعاف حركة حماس من خلال تقليص قدراتها العسكرية والسياسية، وذلك عبر فرض ضغوط اقتصادية واجتماعية، وإلى تحرير المحتجزين الإسرائيليين المختطفين في غزة، وتعزيز الأمن من خلال فرض رقابة صارمة على المعابر لمنع دخول الأسلحة والمواد التي قد تستخدمها حماس، مما يقلل من قدرتها على تنفيذ هجمات ضد إسرائيل.
في إطار هذا النهج، يسعى أيضًا إلى خلق استياء شعبي ضد حماس نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها السكان، وعرقلة وصول الدعم المالي والعسكري للحماس عبر الحدود المصرية والأنفاق. ويعمل على إبقاء الانقسام الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة الغربية، مما يضعف الوحدة الفلسطينية.
علاوة على ذلك، يهدف رئيس الوزراء نتنياهو إلى تعزيز موقفه من خلال كسب تأييد القوى اليمينية المتشددة داخل البلاد، مع السعي لعرقلة جهود المجتمع الدولي في التأثير على قضية غزة.
لكن السؤال الأهم بعد مرور عام هو: هل حقق الحصار تلك الأهداف؟
من اجل الإجابة على هذا السؤال لنقيّم النتائج الظاهرة لنا بعد عام من الحصار
يمكننا ملاحظة عدة نقاط مهمة. أولاً، فيما يتعلق بإضعاف القدرة العسكرية، لم تنجح إسرائيل في إضعاف قدرات حماس، بل لجأت الحركة إلى استخدام بقايا الصواريخ والدبابات المتبقية من النزاعات السابقة لصنع أسلحة جديدة، معتمدةً على تقنيات محلية لتطوير أسلحة مخصصة لمواجهة التحديات العسكرية وهذه الجهود أدت إلى زيادة وتيرة الهجمات الصاروخية على المستوطنات الإسرائيلية.
ثانيًا، سعت إسرائيل إلى خلق حالة من الردع والاستسلام عبر ممارسة الضغط على السكان المدنيين والمسلحين على حد سواء، آملةً أن يؤدي الحصار إلى إثارة مشاعر الاستياء الشعبي ضد حركة حماس، مما قد يضعف دعمها أو حتى يؤدي إلى انتفاضة داخلية ضدها. ومع ذلك، ورغم الهجمات الجوية المستمرة، لم يتحقق الردع الكامل، حيث احتفظت حماس بقدرتها الهجومية وزادت شعبيتها داخل القطاع، مما أدى إلى التفاف الشعب الفلسطيني حولها.
أخيرًا، قامت إسرائيل بقطع قنوات الإمداد التي تصل إلى غزة، سواء عبر الأنفاق أو الحدود مع مصر، بما في ذلك تهريب الأسلحة والدعم المالي من حلفاء حركة حماس مثل إيران.
أما العواقب غير المقصودة للحصار، فقد أدى إلى تعزيز الدعم لحركة حماس، حيث أصبح الحصار رمزًا للصمود، وسط تعاطف إقليمي ودعم من الكثير من الدول بدلاً من إضعافها. كما تسبب الحصار في تفاقم الأزمة الإنسانية وتدهور الظروف المعيشية بشكل حاد، لكن ذلك لم ينجح في إسقاط حماس أو تدمير سلطتها. ومع استمرار الهجمات المتبادلة بين غزة وإسرائيل، بقي الصراع في حالة استنزاف دون حلول جذرية.
من خلال ما تم تقييمه أتوقع أننا سنواجه عدة سيناريوهات مستقبلية محتملة تتعلق بحصار غزة ، ومنها:
إذا استمر الحصار، فمن المتوقع أن تتفاقم الأزمة الإنسانية، مما يؤدي إلى زيادة الفقر والبطالة، وهو ما قد يدفع حركة حماس نحو التصعيد العسكري، مما يفاقم التوترات ويقضي على فرص التسوية السياسية. من جهة أخرى، قد تسهم الجهود الإقليمية أو الدولية في تحقيق رفع تدريجي للحصار، وهو ما يتطلب توافقًا دوليًا وإرادة سياسية حقيقية من الأطراف المعنية. وعلى الرغم من ذلك، فإن استمرار الحصار وتدهور الأوضاع الإنسانية قد يؤديان إلى انفجار انتفاضة داخلية أو حتى نشوب حرب إقليمية، مما قد يسحب دولًا أخرى إلى الصراع كما شهدنا في الهجوم على جنوب لبنان.
فيما يتعلق( بالتحديات العسكرية والأمنية)، تواصل حماس تطوير قدراتها الدفاعية والهجومية، مما يعزز احتمالات اندلاع مواجهات جديدة. ورغم الجهود الإسرائيلية لتدمير الأنفاق، فإنها لا تزال تشكل تهديدًا مستمرًا مع احتمالية تصاعد الهجمات عبر الحدود. كما أن الدعم الإيراني المستمر لحماس يزيد من تعقيد المشهد الأمني ويؤدي إلى تصاعد التوترات الإقليمية.
أما في ما يتعلق( بالأبعاد الإنسانية والاجتماعية)، فإن نقص المواد الأساسية وتدهور الخدمات الصحية يزيدان من معاناة السكان، مما يتطلب دعمًا دوليًا عاجلاً وإعادة بناء البنية التحتية. من الممكن أيضًا أن تؤدي هذه الظروف إلى زيادة محاولات الهجرة غير الشرعية بين الشباب، مما يسهم في استنزاف الطاقات البشرية في القطاع.
وفي (السياق الدولي والإقليمي)، يتطلب الوضع في غزة من المجتمع الدولي تحمل مسؤوليات أكبر من خلال ممارسة ضغوط حقيقية على جميع الأطراف للوصول إلى تسوية سياسية شاملة، مما يتطلب تقديم دعم فوري وضروري لإعادة إعمار القطاع. يجب على المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، أن تستمر في جهودها لتوفير المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين.
أما ( الدول العربية)، وخصوصًا مصر وقطر، تلعب دورًا أساسيًا إلى تخفيف الحصار أو الدفع نحو تسوية سياسية. تلعب مصر، باعتبارها وسيطًا تقليديًا، بالنظر إلى موقعها الجغرافي وصلتها بالملف الفلسطيني، بينما تقدم قطر دعمًا ماليًا وإنسانيًا هامًا.
أما (المملكة الاردنية الهاشمية) بفضل موقعها الجغرافي الحساس بالقرب من الضفة الغربية وقطاع غزة، يلعب دورًا دبلوماسيًا بارزًا في دعم الحقوق الفلسطينية، ويجسد الملك عبد الله الثاني دعمه الثابت للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ويسهم في تعزيز المساعي الدولية الرامية إلى إنهاء النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، الذي يُعتبر الأساس لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
ويركز جلالة الملك عبد الله الثاني على أهمية تجنب التصعيد العسكري في غزة نظرًا لتأثيره المحتمل على استقرار المنطقة. ويعمل جلالته باستمرار مع القوى الدولية والإقليمية لمنع تفاقم الوضع الإنساني والأمني، كما يحث على ضرورة وقف إطلاق النار وبدء حوار سياسي لحل القضايا العالقة.
كما يلعب الأردن أيضًا دورًا رئيسيًا كوسيط بين الفلسطينيين والمجتمع الدولي، خاصة في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة. ويسعى جلالته من خلال علاقاته الدولية القوية إلى تعزيز جهود السلام والحوار، ويعمل على إبقاء القضية الفلسطينية في صدارة الأجندة الدولية، لا سيما في أوقات الأزمات. وبتوجيهات ملكية، تقدم الأردن الدعم الإنساني لغزة، بما في ذلك المساعدات الطبية والغذائية، من خلال الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، التي تقوم بعمليات إغاثة مباشرة في القطاع بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
واخيرا، أرى أن الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها إسرائيل لم تتحقق بشكل كامل، وحماس مستمرة في المقاومة، بينما الأوضاع الإنسانية تتفاقم. الحلول السياسية تبقى بعيدة المنال، وسط تعقيدات إقليمية ودولية تحتاج إلى توافق دولي وجهود كبيرة للتوصل إلى تسوية شاملة تنهي معاناة الشعب الفلسطيني في غزة. وكان ومازال وسيبقى يؤكد جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله على التزام الأردن المستمر بالقضية الفلسطينية، وبذل كل ما في وسعه لدعم الشعب الفلسطيني وتحقيق الاستقرار في غزة والمنطقة، وتأكيد وقوف الشعب الأردني إلى جانب أشقائه في فلسطين من خلال تقديم جميع أشكال الدعم.