22 الاعلامي- مانعاً شاملاً، كان خطاب العرش الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة العشرين، بل أن الخطاب جاء ليكون بمثابة خارطة طريق لما هو عليه الأردن الآن، وما سيكون عليه في المستقبل بالتعامل مع كل القضايا.
وإذا ما بدأنا بالشأن السياسي، وهو الشأن الذي كان يترقب فيه المواطن الأردني ما الذي سيكون عليه الموقف الأردني، فإن الملك، وكما عادة جلالته، أكد مجدداً بأن الأردن لا يتغير ولا يتبدل، خصوصاً في هذه اللحظات الفارقة والحساسة التي تمر بها كل الأمة العربية، وخاصة القضية العربية والإسلامية والمسيحية الأولى، وهي القضية الفلسطينية، فالأردن لن يحيد عن إيمانه بأن السلام هو الطريق الوحيد الذي من خلاله تتحصل الحقوق رغم كل المتطرفين الذي يحاولون إدخال المنطقة في أًتون فوضى لا تُحمد عقباها، ولعل الرسالة الأردنية كانت واضحة الهدف والمعنى، وأما الهدف فهو حكومة التطرف في دولة الاحتلال التي تحلم بأن تجر كل المنطقة الى حرب شاملة لا تًبقي ولا تذر، وأما هدفها من كل ذلك فهو النجاة السياسية من المحاسبة والعقاب.
وهنا تحديداً أكد الملك مجدداً بأن الأردن، الذي وقف مع الأشقاء في فلسطين، وتحديداً في غزة، سيبقى اليد المًعينة لهم كما كان منذ بداية العدوان، ففي أحلك الظروف، وأقساها، كان الأردن السباق في إيصال المساعدات وفي تطبيب جراح الفلسطينيين الذين يتعرضون لواحدة من أبشع الجرائم التي شهدها التاريخ الإنساني.
وفي سطر واحد، لخص جلالة الملك العنوان الأبرز للسياسة الأردنية حين قال : “نحن دولة راسخة الهوية، لا تغامر في مستقبلها وتحافظ على إرثها الهاشمي وانتمائها العربي والإنساني، فمستقبل الأردن لن يكون خاضعا لسياسات لا تلبي مصالحه أو تخرج عن مبادئه”.
كلام الملك هنا واضح، ولا يحتمل التأويل، فالأردن، وكما حق كل دولة على وجه هذه الأرض، له الحق أن يحافظ على أرضه وعلى شعبه، وأن يُجنب بلاده ويلات وما يشتهيه البعض له من خراب ودمار، وعليه، فإن المملكة الأردنية الهاشمية لا تُغامر أبداً في أية سياسة يمكن أن تُلقي بناسها وأهلها إلى دائرة التهلكة، وهنا، فإن الأردن عاد ليؤكد لكل المنطقة، بل ولكل العالم، بأن سياسته العقلانية المبنية على نظرة عميقة للمستقبل تقوم على الأمن والاستقرار والسلام بين كافة الشعوب، هي العنوان الأبرز والبوصلة التي تتجه إليها عمّان، دائماً.
وفي الشأن الداخلي، فإن الملك وضع على كاهل مجلس الأمة الجديد، بشقيه الأعيان والنواب، الأمانة الأكبر بأن يكونوا على قدر المسؤولية وليسطروا أداءً مميزاً في الرقابة والتشريع على أساس النزاهة ومصلحة الوطن قبل كل شيء لا سيما وأنهم نتاج التجربة الأردنية الفريدة في الإصلاح السياسي الذي نتج عنه الأحزاب التي شكلت الجزء الأكبر من مقاعد المجلس النيابي على وجه الخصوص، وهذا هو الميدان حتى تحقق ما أعلنت عنه هذه الأحزاب من برامج قادرة على النهوض بالوطن من خلال التشاركية مع السلطة التنفيذية وخاصة في الشأن الأهم، وتحديداً في الإدارة العامة التي ركز عليها الملك في خطابه كون أن جلالته يؤمن بأن الإصلاح الإداري هو واحد من المفاصل الهامة التي يمكن أن تُنتج وطناً أكثر عدالة.
الأردن إذن، وعلى هدي خطاب العرش السامي، يسير بكل ثقة نحو المستقبل رغم كل الحرائق المشتعلة حوله، فالانكفاء والسكون والتردد والخوف من المستقبل، ليست أبداً من مفردات القاموس السياسي الأردني.