مقالات
أخر الأخبار

د. بزبز يكتب : المعلم والملامح المستقبلية

22 الاعلامي – بقلم د. محمد يوسف حسن بزبز
سفير جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي

إن المعلم هو صاحب الشخصية المستقرة في نفس الإنسان المتعلم ، وهو الخبير الذي أقامه المجتمع لتحقيق نتاجاته التربوية ، وهو القيم على التراث الثقافي ، وهو الذي يضع السياج حول التراث المقصود ويعمل على تعزيزه ، والمعلم يعتبر حجر الزاوية في المسيرة التربوية ويكاد يمثل الجسر الذي يربط بين التغيرات الأساسية في المجتمع والكائن الحي الإنسان عضو المجتمع ، فهو من الركائز الأساسية في بناء الصرح القومي المنشود.

إن نجاح أبنائنا الطَّلبة ؛ يعتمد على نوعية المعلم الذي يواجهونه كل صباح ، لذا فإن تحسين التعليم والتربية يعتمد على تحسين تربية المعلمين ، وتحسين التعليم يرتكز على تحسين المدارس ، وهذه تؤدي إلى تقوية الجيل الناشئ ، وتقوية هذا الجيل هو واجب اجتماعي يؤدي الى قيام المجتمع بدوره في الدفاع عن حقوقه ومكتسباته في مواجهة كل محاولات الاعتداء عليها وعلى الأوطان ، فالوطن والمواطنين يجد في المعلمين وأبنائهم الطلبة الملاذ الذي يحمي ، والسند الذي يدافع والدرع الذي يقي من الهبات العاتية.

إن العالم أصبح يحتاج الى معلم جديد يواجه التغيرات المستقبلية؛ مدنيًا وتكنولوجيًا واجتماعيًا ، وإن الدور المستقبلي للمعلم يمكن تحديده على الوجه الآتي ؛ كدوره كوسيط تعليمي ومنظم للتواصل، وهذا يعني أن دوره قد اقتصر على الأعمال التي لا يمكن لغيره من الوسائط أداءها بنفس الكفاءة ، ومن ذلك سعيه لتنظيم التواصل الفعال بينه وبين طلبته. و دوره كمشخص؛ كالتعرف على خصائص طلبته وتحديدها ، لأن ذلك يعينه على فهم طبيعة المتعلمين الذين يتعامل معهم ، فيحدد نواحي القوة والضعف عندهم ، ومستوى القدرة على التعلم لدى كل منهم. ودوره كمصمم برامج؛ حيث أصبح المعلم مخططًا لخبرات وأنشطة تعليمية تعلمية ترتبط بالنتاجات المخططة وتناسب مستوى المتعلمين وطرق تفكيرهم ، وتسهم بشكل فعال في مساعدتهم على بلوغ النتاجات التعليمية ، كما أصبح المعلم مسؤولًا عن إعداد المواد التعليمية المختلفة. كذلك دوره كمخطط وموجه للعملية التعليمية التعلمية، وذلك باتباعه طريقة منهجية منظمة تمكنه من ضبط المثيرات كالمادة التعليمية، والحوادث التعزيزية كالتغذية الراجعة، بشكل دقيق. ودوره کمهندس للسلوك وضابط لبيئة التعلم، ودور المعلم في هذا المجال لا يقتصر على تحليل السلوك للمتعلم ومن ثم تعديله، وإنما يتعدى ذلك ليشمل هندسة سلوكه وذلك عن طريق ترتيب بيئة التعلم، بحيث يحصل المتعلم على السلوك المراد ، وهندسة السلوك تجمع بين تكنولوجيا السيطرة على شروط التعزيز وتكنولوجيا السيطرة على المثير. و دوره كمهندس اجتماعي، فهو يشجع التفاعل بين أفراد الجماعة ويستثير الاتصال بين الطلبة. ودوره كمستشار؛ يتعاون مع الآباء ومع زملائه من المعلمين وكذلك مع المجتمع. ودوره كباحث و مجدد، قادر على التنظير من خلال ما يقوم به من ممارسات ، وقادر على النقد لكل ما يقوم به من أعمال. ودوره كمتخصص في الوسائل التعليمية؛ قادر على استخدامها وصيانتها وعارف لمصادرها.

إن معلم المستقبل لا بد أن تتوفر لديه العناصر الآتية؛ كالكفاءة المهنية، وفهمه للتطورات الدولية التي تدور من حوله، وإيمانه العميق بقيمه الدينية، وأن تكون الديمقراطية طابعًا لفكره وسلوكه. وإيمانه بأهمية المحافظة على البيئة فكرًا وسلوكًا.

فَالأدوار المستقبلية السابقة للمعلم توضح أن معلم المستقبل ليس هو معلم الماضي ، ولتحقيق الغايات المنشودة فلا بد من مواجهة كثير من التحديات ، أهمها؛ الحاجة إلى أعداد كبيرة من المعلمين تواجه الزيادة المتدفقة في الطلب على التعليم.
والحاجة إلى تأهيل المعلمين الذين يمارسون العمل في الوقت الحاضر ، والذين لم يحصلوا على الحد الأدنى الضروري لممارسة هذا العمل عمليًا وتربويًا. والحاجة إلى تحديث كفاءة المعلمين العاملين تخصصيًا ومهنيًا. والحاجة إلى مواجهة التغيرات العالمية وخاصة التغيرات التكنولوجية.

يعتبر المعلمون طليعة الأمة في تحقيق الوحدة ، لأنهم هم أكثر الفئات القادرة على القيام بأدوار وحدوية ، وهذه الأدوار؛ كالمحافظة على الثقافة القومية ، فالمدرسة هي التي تعلم لغة الأمة وتاريخها وآدابها وعلومها وفنونها وعاداتها وتقاليدها لأبناء الأمة منذ صغرهم ، وهي التي تغرس فيهم حب التراث الثقافي والتمسك به والاعتزاز به ، وبذلك تبقى للأمة كيانها وشخصيتها القومية المتميزة.

ولذلك تحرص الأم الواعية على العناية بثقافتها القومية ومن بينها اللغة القومية والتاريخ القومي والجغرافيا الوطنية والآداب القومية والحضارة القومية ، حيث يشب الأبناء في خدمة أمتهم ، فالإنسان لا يمكن أن يحب وطنه حبًا حقيقيًا إلى إذا عرفه معرفة جيدة في ثقافته الخاصة وفي لغته الخاصة وفي جغرافيته وتاريخه وحضارته. كذلك بناء الشخصية القومية؛ نحن أمة لنا وحدة روحية ، لنا بلاد نقطنها ، وتاريخ نرجع إليه ولغة حية نتكملها ، وأدب نستعذبه وذكريات نتغنى بها وآمال مشتركة نصبو إلى تحقيقها، ومثل عليا متفقة نسعى إليها وقوة نبذلها في سبيل آمالنا ومثلنا وإرادة تحملنا على السير في سبيل الوصول إلى ما تأمل به.

ومن هنا فإن دور المعلم كبير في هذا المجال ، إن عليه بناء أيديولوجية خاصة، حتى يتحقق هذا البناء؛ كالعناية الكافية بتعليم اللغة العربية للطلبة في مختلف مراحل التعليم. والعناية بتدريس التاريخ العربي الإسلامي. والاهتمام بدراسة المجتمع العربي ومادة التربية الوطنية. والعناية بتدريس جغرافية الوطن العربي.
ومن حيث اللغة العربية فإنها كانت وستبقى حافظة للتراث العربي الإسلامي فهي التي أبقت على عروبة كثير من الأقطار العربية. فاللغة هي صورة وجود بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها ، وجودًا متميزًا قائمًا بخصائصه ، فهي قومية الفكر.

وتعتبر اللغة العربية أيضًا أداة قوية لتوثيق الروابط بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة، وكذلك أداة لتوحيد الفكر بين أفراد الشعوب ، فهي أعظم أهمية في بناء الكيان القومي من أي عامل آخر ، ولعل هذا ما يفسر لنا ظاهرة السياسة الاستعمارية تجاه البلدان المغلوبة على أمرها ، حيث وجه المستعمرون، وما يزالوا ، سهامهم إلى لغة وثقافة الشعوب حتى يميتوا فيها كل شعور بالعزة والكرامة والشخصية ، لذلك فإن مصير كل شعب مرهون بمصير لغته القومية قوة وضعفًا.

فالمعلمون هم رسل ثقافة وعلم ومعرفة، وإصلاح وتطوير، ورواد تجديد وإبداع وإبتكار في أممهم ومجتمعاتهم، وهم نبض التطوير وروحه وحركته، وهم الذين يصنعون عقول الأجيال المتعاقبة، ويبنون أخلاقهم وهم يتحملون وصل الماضي بالحاضر، ووصل الحاضر بالمستقبل في أذهان أبناء المجتمع وقلوبهم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى