المجالي تكتب : موازنة 2025 بين التفاؤل بالإجراءات التنموية والحذر من التحديات المستمرة
22 الاعلامي – بقلم ديما المجالي
في خطوة تحمل معها إشارات إيجابية وطموحات كبيرة، أقر مجلس النواب الأردني موازنة العام 2025 بعد نقاشات مكثفة. جاءت الموازنة بعجز مالي يبلغ 2.258 مليار دينار، وهو تحدٍ يستدعي من الحكومة مواصلة العمل لتحقيق التوازن بين متطلبات التنمية والضغوط المالية، في ظل رؤية التحديث الاقتصادي التي تسعى إلى وضع الأردن على مسار تنموي مستدام.
الموازنة حملت في طياتها عددًا من الجوانب التي يمكن اعتبارها نقاط قوة تعكس رؤية الحكومة نحو الإصلاح والتنمية، وعلى رأس هذه الجوانب، الزيادة الملحوظة في الإنفاق الرأسمالي بنسبة 16.5% مقارنة بالعام السابق، حيث خُصصت مبالغ كبيرة لدعم مشاريع استراتيجية كبرى مثل الناقل الوطني للمياه وسكة الحديد، مع تعزيز الاستثمار في القطاعات الخدمية الحيوية كالصحة والتعليم والبنية التحتية، وهذه الخطوات تؤكد توجه الحكومة نحو تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، مع الحرص على الشراكة مع القطاع الخاص لتخفيف العبء عن الموازنة العامة.
ومن بين النقاط الإيجابية الأخرى، يظهر التزام الحكومة بتحقيق الاستقرار المالي عبر الامتناع عن رفع الضرائب على السلع الأساسية وضرائب الدخل، والاستمرار في مكافحة التهرب الضريبي لتعزيز الإيرادات المحلية. كما عكست المؤشرات الاقتصادية تحسنًا نسبيًا، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.3%، وزيادة الصادرات الوطنية بنسبة 4%، وتراجع عجز الميزان التجاري بنسبة 5%. وحتى على صعيد البطالة، ورغم بقائها عند مستويات مرتفعة، شهدت انخفاضًا طفيفًا من 22.2% في عام 2023 إلى 21.4% في 2024.
لكن التفاؤل الذي حملته هذه الأرقام لا يخفي التحديات المستمرة، أبرزها العجز المالي المرتفع، الذي بات يمثل تحديًا هيكليًا يحتاج إلى خطط طويلة الأجل لتقليصه، كما أن الاعتماد الكبير على الاقتراض لسداد الديون السابقة يثقل كاهل الموازنة، ويُبقي الدين العام عند مستويات مرتفعة تهدد الاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد، والنفقات الجارية، التي تستحوذ على جزء كبير من الإنفاق العام، تُشكل تحديًا إضافيًا لأنها تحد من القدرة على توجيه الموارد نحو المشاريع التنموية.
التحديات الاجتماعية لا تقل أهمية، حيث يظل مستوى البطالة والفقر مصدر قلق دائم، ورغم التحسن الطفيف في معدلات البطالة، إلا أن الواقع يفرض تساؤلات حول قدرة الاقتصاد الأردني على خلق فرص عمل كافية للشباب والخريجين الجدد. هذا إلى جانب استمرار الاعتماد على الضرائب غير المباشرة، التي تؤثر بشكل أكبر على الفئات ذات الدخل المحدود.
على الجانب الآخر، توفر الموازنة فرصًا يمكن استثمارها لتجاوز هذه التحديات، كرؤية التحديث الاقتصادي التي تمثل خارطة طريق طموحة لتعزيز معدلات النمو وجذب الاستثمارات، مع فتح المجال للشراكة مع القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب لتنفيذ مشاريع كبرى دون إرهاق الموازنة. كذلك، يمكن للإصلاحات المالية والضريبية أن تسهم في تحسين التصنيف الائتماني للأردن، مما يعزز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الوطني.
لكن الفرص لا تعني شيئًا دون معالجة التحديات الإقليمية التي تلقي بظلالها على الاقتصاد الأردني، فالتوترات السياسية في المنطقة، والاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية، وارتفاع الدين العام، كلها عوامل تتطلب استراتيجيات واضحة للتعامل معها بفعالية. كما أن التحديات الاجتماعية، التي تشمل ارتفاع معدلات البطالة والفقر، تحتاج إلى حلول مبتكرة ومستدامة لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
من وجهة نظري كمواطنة أردنية، تبدو الموازنة خطوة طموحة، لكنها تواجه تشكيكًا في قدرتها على تحسين حياة المواطن اليومية بشكل ملموس فالمواطنون يريدون أن يروا انعكاس هذه الأرقام والخطط على أرض الواقع، من خلال تحسين الخدمات الأساسية وزيادة الدخل. أما وجهة نظر الخبراء الاقتصاديون، فقد أشادوا بالتركيز على الإنفاق الرأسمالي والمشاريع التنموية، لكنهم حذروا من الاستمرار في الاعتماد على القروض لمعالجة العجز. وفيما يتعلق بوجهة نظر المحللين السياسيين، فإن تمرير الموازنة بأغلبية نيابية يُعد مؤشرًا على استقرار سياسي نسبي، لكنه يتطلب خطوات تنفيذية واضحة لتجسيد هذا الاستقرار على الصعيد الاقتصادي.
في الختام، تمثل موازنة 2025 جهدًا حكوميًا متوازنًا بين التفاؤل بالتنمية والحذر من التحديات، وبينما تعكس الموازنة توجهًا إيجابيًا نحو تحقيق الإصلاح، يبقى نجاحها مرهونًا بمدى قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات بفعالية، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتحقيق العدالة الاجتماعية. إن النجاح في تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس سيكون مفتاحًا لتحسين حياة المواطنين وتعزيز مكانة الأردن اقتصاديًا على المدى البعيد.