مقالات
أخر الأخبار

المجالي تكتب : رسائل جلالة الملك عبدالله الثاني السياسية في لقائه مع الرئيس الأمريكي

22 الاعلامي – بقلم : ديما المجالي
في لحظة سياسية فارقة، التقى جلالة الملك عبدالله الثاني بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن ١١ / ٢ / ٢٠٢٥ ، في زيارة حملت في طياتها رسائل سياسية واضحة، عززت مكانة الأردن كدولة ثابتة على مواقفها الوطنية والقومية و تأتي هذه الزيارة وسط تصاعد التوترات في المنطقة، ووسط مساعٍ أمريكية لإعادة رسم المشهد الإقليمي بما يخدم مصالح قوى دولية وإقليمية، وهو ما يجعل من الموقف الأردني أحد أهم العوامل التي تُعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة ، وهذه الرسائل :

أولًا: الأردن أولًا… مصلحة الوطن فوق كل اعتبار
كان لافتًا تصريح جلالة الملك خلال اللقاء، عندما قال بحزم: “علي أن أعمل لمصلحة بلدي”، وهي رسالة تعكس جوهر السياسة الأردنية في هذه المرحلة، حيث تقف المملكة أمام كل محاولات فرض حلول على حسابها أو على حساب القضية الفلسطينية، و إن هذا التصريح يحمل بعدًا سياسيًا عميقًا، مفاده أن الأردن لن يكون طرفًا في أي مخططات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصالحه الوطنية، ولن يقبل بأن يكون جزءًا من مشاريع إعادة التوطين أو التهجير القسري للفلسطينيين، سواء من غزة أو الضفة الغربية.
ويأتي تأكيد جلالة الملك على إعادة إعمار غزة بدلًا من تهجير سكانها، ليعكس موقفًا استراتيجيًا يرفض أي سيناريوهات تدفع باتجاه تغيير التركيبة السكانية للمنطقة، خاصة وأن هناك ضغوطًا دولية تحاول الترويج لفكرة تفريغ غزة من سكانها بحجة العمليات العسكرية، وهنا يظهر الدور الدبلوماسي الفاعل للأردن في التصدي لهذه الأفكار من خلال التحرك السياسي المدروس، وتوجيه الرأي العام العربي والدولي نحو حلول عادلة ومستدامة.

ثانيًا: الرسالة الإنسانية للأردن… لا سياسة في العلاج
قرار جلالة الملك باستقبال 2000 طفل فلسطيني من مرضى السرطان للعلاج في الأردن، كان خطوة إنسانية بامتياز، لكنه في الوقت نفسه يحمل بعدًا سياسيًا شديد الأهمية، فهذه الخطوة جاءت لإيصال رسالة واضحة بأن الأردن لا يعارض استقبال الفلسطينيين، لكن في سياق إنساني بحت، وليس ضمن أي مخططات لإعادة التوطين، وهنا نجد أن الملك استخدم الدبلوماسية الإنسانية بحنكة، ليفصل بين الالتزام الأردني الأخلاقي تجاه الأشقاء الفلسطينيين، وبين محاولات استغلال الأوضاع لفرض حلول غير عادلة.

ثالثًا: مواجهة التهجير برد عربي موحد
أحد أهم الرسائل التي حملها لقاء جلالة الملك بترامب هو أن الأردن ليس وحده في مواجهة مخططات التهجير، بل هناك موقف عربي مشترك ضد هذه المشاريع، وهذه الرسالة كانت موجهة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، لتؤكد أن المساس بالثوابت الفلسطينية لن يواجه اعتراضًا أردنيًا فقط، بل سيقابل بموقف عربي موحد يرفض أي محاولات لإعادة تشكيل الخريطة السكانية والسياسية للمنطقة.
في المقابل، جاء رد ترامب متماشيًا مع رؤيته التقليدية، حيث تحدث عن وجود أراضٍ في دول مجاورة يمكن أن تستوعب الفلسطينيين، وهو تصريح يعكس مدى إصرار بعض الأوساط السياسية الأمريكية على الترويج لمشاريع تهجير غير قابلة للتحقيق على أرض الواقع، خاصة في ظل الرفض الأردني والعربي لهذه الطروحات.

رابعًا: الدبلوماسية الأردنية وثقلها الإقليمي
خلال اللقاء ظهر جلالة الملك كزعيم عربي صاحب رؤية استراتيجية واضحة، يعرف كيف يدير الملفات الشائكة بحنكة دبلوماسية عالية، فقد استطاع أن يرسم معالم الموقف الأردني بدقة، دون تصعيد غير محسوب، ودون تقديم تنازلات، بل على العكس، تمكن من إيصال رسالة قوية بأن الأردن لاعب أساسي في المنطقة، وليس مجرد تابع للقرارات الدولية ، ومن جهة أخرى، كان من الواضح أن جلالة الملك أراد أن يُشرك المجتمع الدولي في المسؤولية، عندما أكد أن “السلام العادل على أساس حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وهذا يتطلب الدور القيادي للولايات المتحدة”، وهنا يظهر النهج الدبلوماسي الأردني القائم على الانخراط الإيجابي، وليس العزلة أو المواجهة المباشرة، حيث يدرك الأردن أن الحلول لا تأتي فقط بالرفض، بل أيضًا بطرح البدائل والدفع نحو مسارات أكثر عدالة.

خامسًا: الأردن ثابت على مواقفه رغم الضغوط
من خلال متابعة تصريحات الطرفين خلال اللقاء، يتضح أن الأردن لم يغيّر مواقفه رغم الضغوط الأمريكية المتزايدة، بل حافظ على ثوابته السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتأكيد على رفض التوطين أو التهجير ، في المقابل، حاول ترامب الترويج لرؤيته الخاصة بقطاع غزة، لكنه لم يلقَ تجاوبًا واضحًا من الجانب الأردني، وهو ما يعكس مدى ثبات الموقف الأردني رغم الضغوط السياسية والاقتصادية.

سادسًا: الأردن ليس وحده، بل هو حجر الزاوية في المعادلة الإقليمية
زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى ترامب لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي عابر، بل كانت تأكيدًا على أن الأردن يمتلك أوراق قوة، ويستطيع التأثير في القرارات الدولية عبر دبلوماسيته الحكيمة، و لقد استطاع الملك أن يرسل رسائل واضحة لكل الأطراف، مفادها أن الأردن لن يكون جزءًا من أي ترتيبات غير عادلة، وأنه يعمل من أجل مصلحة بلده وأمته، وأنه قادر على مواجهة أي تحديات، بدعم شعبه، وبالتنسيق مع الدول العربية الحليفة،
إن النهج الدبلوماسي الذي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني يجعل من الأردن لاعبًا إقليميًا مؤثرًا، قادرًا على حماية مصالحه، والتأثير في المعادلات الدولية، رغم كل الضغوط والتحديات ،وما اللقاء مع ترامب إلا تأكيد جديد على أن الأردن ليس تابعًا، بل هو شريك رئيسي في صياغة مستقبل المنطقة، وفق رؤية واضحة ومواقف لا تقبل المساومة.

حفظ الله الأردن، قيادةً وشعبًا، وأبقاه حصنًا منيعًا في وجه كل التحديات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى