الملكاوي يكتب : مسيحي أردني على مائدة الإفطار الرمضانية الإسلامية السعودية في الأردن

22 الاعلامي – بقلم: المستشار محمد صالح الملكاوي
لم يكن مُستغرباً ولا غريباً عليّ كإعلامي أردني ورئيس لوِحدِة ثقافة السلام في الشرق الأوسط أن ألتقي بالأخ والصديق والزميل الإعلامي الأردني “أمين زيادات” على مائدة الإفطار الرمضانية الإسلامية السعودية في عمان مؤخراً، وذلك ضمن مبادرة حفل تدشين برنامج خادم الحرمين الشريفين لإفطار الصائمين وتوزيع التمور على الجمعيات الخيرية في الأردن، التي نظمتها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية وسفارة خادم الحرمين الشريفين في الأردن، وذلك لأن الأخوّة الإنسانية والتسامح والعيش المُشترك التي تحرص على إرسائها الدولتان (الأردن والسعودية)، هي واحدة من الخِصال الطيبة التي يعتز بها البلدان، ولأني على قناعة أيضاً بأن مسيحية “أمين زيادات” هي جزء أصيل من عروبته المتجذرة في المجتمع العربي المسلم. هذا المُجتمع (المُسلم) الذي يؤمن بأن الإيمان بالمسيح عليه الصلاة والسلام هي واحدة من مرتكزات الإيمان في الدين الإسلامي.
ولأن الأردن يُمثل إنموذجاً متميّزاً في الوسطية والتسامح والعيش المُشترك، فيما تُمثّل السعودية في المقابل الحاضنة الرئيسية للوسطية والاعتدال والتسامح ونبذ التطرّف والعُنف، لأن رسالة الإسلام الحنيف انطلقت من على أرضها، فقد شاركنا “أمين زيادات” تناول حبات التمر عند أذان المغرب، وفق سُنّة الرسول محمّد صلّ عليه وسلّم، لأنه على قناعة بأن هناك قواسم مشتركة كثيرة تجمعنا ولا تفرّقنا، لهذا أراد “أمين زيادات” أن يضع بصمة محبة مسيحية كعادته في حفل إفطار رمضاني إسلامي.
وأقولها بكل تجرّد بأن هذه هي رسالة وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ التي يحرص عليها في ترجمة رؤى وتطلعات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء، وذلك في تعميم “الدبلوماسية الإسلامية السعودية” التي تقوم على إنسانية الإسلام، وإسلام الإنسانية في مختلف دول العالم، حيث يشمل برنامج تفطير الصائمين (62) دولة، وتوزيع التمور (102) دولة حول العالم، لأن الهدف هو التواصل بروح إسلامية وإنسانية صادقة، وإيضاح حقيقة الإسلام بأنه دين المساواة بين البشر بغض النظر عن العِرق أو اللون أو الدين أو اللغة أو المكانة الاجتماعية، وأن المُفاضلة بين البشر تكون بالتقوى، هذا إلى جانب أن الإسلام يعترف بالتعددية الدينية والثقافية والاجتماعية ويدعو إلى الحوار بالتي هي أحسن، وإلى حُسن التعايش بين الناس.
وقد جالت في خاطري وأنا أجلس بمعية الزميل “أمين زيادات” قصة الملك النجاشي المسيحي الذي حمى أول مهاجرين مُسلمين في الحبشة من بطش زعماء كفّار قريش الذين كانوا يعبدون الأصنام. كما استذكرت أيضاً كيف أن زُعماء كفّار قريش فرحوا عندما غلبت الإمبراطورية الفارسية في إحدى المعارك إمبراطورية الروم في عهد الرسول مُحمدٍ صلّ الله عليه وسلّم، واستهزؤوا بالمُسلمين لأن الروم كانوا من أهل الكتاب، فنزلت آياتٍ قُرانية في “سورة الروم” تُتلي إلى قيامة الساعة: (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ، وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ، لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ)، وكانت هذه إحدى مُعجزات القرآن الكريم، التي تتحدث عن حدثٍ مستقبلي، في زمن لم تكن التكنولوجيا موجودةٍ أصلاً.
واستحضرتني أيضاً في ذلك الإفطار الرمضاني قصة الجندي الأردني المسيحي “خضر شكري يعقوب” الذي دافع ببسالة عن القدس والمسجد الأقصى في حرب عام 1948 حتى استُشهد، مما يُعتبر مثالاً حيّاً على التلاحم الوطني بين المُسلمين والمسيحيين في الأردن، حيث أن الدفاع عن المسجد الأقصى لم يكن حِكراً على المُسلمين فقط في تلك المعارك. وهذا ما تعلّمناه وتربينا عليه في عهد الملك الباني الحُسين، وفي عهد الملك المُعزز عبدالله الثاني، وهذا ما هو مغروس فينا من آبائنا وآجدادنا (مُسلمين ومسيحيين) الذين علّمونا بأن الجيرة والمحبة تجمعنا معاً، بغض النظر عن العِرق أو اللون أو الدين.
كما تستحضرني أيضاً معلومة مُهمّة وهي أن مفتاح كنيسة القيامة في مدينة القدس هو بيد أسرة آل الحُسيني المُسلمة (حاليا مع د. أديب جودة الحُسيني)، وهذا تأكيد على أن هذه الكنيسية هي بأمان عندما تكون بأيدي المُسلمين، وذلك منذ أن تسلّم الخليفة عمر بن الخطاب (أمير المؤمين) مفاتيح القدس من بطريرك القدس “صفرونيوس” في السنة (15) هجرية / 636 ميلادية، عندما خرج أمير المؤمنين على “راحلته” من المدينة المنورة من على أرض المملكة العربية السعودية وصولاً إلى بيت المقدس، الذي كان قِبلة المُسلمين الأولى.
لهذا، أقولها بملء فمي وقلبي وشجوني، بأن رؤية مسيحي أردني على مائدة إفطار رمضانية إسلامية سعودية على الأرض الأردنية ليس غريباً ولا مُستغرباً، وهي رؤية سعودية صادقة وأمينة، مثلما هي حقيقة أردنية أفخر بها، بأن الإسلام هو دين وسطية واعتدال ومحبة وتسامح وتعايش، وأن المسيحيين تربطنا بهم وشائج المحبة والقُربى والسلام والجيرة والعيش المُشترك.
وكم أسعدتني في حفل الإفطار عبارات الترحيب والتهليل والثناء على الحضور من القائم بأعمال السفارة السعودية في عمّان الأستاذ محمد بن حسن مؤنس، والمُكلّف بأعمال المستشار الإسلامي في السفارة الأستاذ محمد بن أحمد العصيمي، ومنسق الشؤون الإعلامية بوزارة الشؤون الإسلامية الأستاذ عبدالمحسن بن محمد القضيبي ومعهم طاقم كبير من “المعزبين” السعوديين، الذين أكدوا بأن السعودية هي قلب العالم الإسلامي، وتنبض بخدمة الحرمين الشريفين، وتعمل على نشر رسالة السلام والاعتدال، وأنها حريصة على إضاءة قلوب البشر بالمحبة والتسامح والتعايش، وأنها مملكة تسمو بالقيم الإسلامية النبيلة.
فشكراً للأردن حاضنة المحبة والتسامح، والجار الشقيق للسعودية، وشكراً للوزير السعودي الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، الذي جعل من مُبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز هذه، مساحة طيبة ومُباركة يلتقي فيها الجميع في مختلف دول العالم، مسلمين وغير مُسلمين، وترجمته أيضاً لخِطة مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان، لأني على يقين بأن الوزير السعودي “آل الشيخ” قد جعل قلوب المُسلمين وغير المُسلمين بهذه الدبلوماسية الإسلامية السعودية متصلة ومتواصلة بدون حدود ولا جدران ولا فواصل.