مقالات
أخر الأخبار

ديما المجالي تكتب : كذبة نيسان في الأردن

22 الاعلامي – بقلم : ديما المجالي
في ديننا الحنيف، يعتبر الكذب حرامًا، ولا مجال للغش في الكلام أو الأفعال، ومع ذلك، يحتفل العديد حول العالم بيوم كذبة نيسان (1 إبريل)، حيث تُطلق النكات والخدع بروح من المرح، وكأنها فرصة مؤقتة للهروب من الحقيقة، لكن في الأردن، قد لا تكون كذبة نيسان مجرد مزحة عابرة، بل تبدو أحيانًا كحقيقة متكررة تتجدد ، نعم .. إنني اتحدث عن الوعود الاقتصادية.

ففي كل عام، يتسلل إلينا وعد جديد بتحسن اقتصادي مرتقب، لكن ما يحدث على أرض الواقع قد يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن كذبة نيسان ليست مجرد يوم واحد، بل تستمر على مدار العام، فالوعود التي تُطرح بين الحين والآخر حول تحسين الوضع المعيشي، وتوفير فرص العمل، وتحقيق الاستقرار المالي، تبدو وكأنها نسخة مكررة من سيناريو قديم، والحقيقة أن مع مرور السنوات، تبقى الهجرة حلم الشباب، والرواتب لا تزال لا تغطي تكاليف الحياة، والفرص الوظيفية تبقى نادرة، كما لو أن “الفرصة الكبيرة” لم تأتِ بعد. فهل هذه مجرد نظرة متشائمة؟ أم أن التحديات الاقتصادية تبرر هذا الشعور؟

فمن منظور إيجابي، يمكننا أن نرى أن الأردن منذ عقود يطلق العديد من الخطط الاقتصادية والمبادرات التي من المفترض أن تعزز سوق العمل وتحسن الوضع المالي. وبين برامج التصحيح الاقتصادي واستراتيجيات جذب الاستثمار، كان هناك دائمًا تفاؤل بمستقبل مشرق، وكأننا نتطلع إلى “الخروج من عنق الزجاجة”. ولكن، في ظل التحديات المستمرة، هل نحن فعلاً على وشك الخروج، أم أن الزجاجة نفسها أصبحت جزءًا من ديكور المشهد الاقتصادي؟

ولا شك أن هناك جهودًا حكومية لتحقيق التنمية الاقتصادية، لكن أزمة الثقة بين المواطن وصانع القرار جعلت كل وعد اقتصادي يُنظر إليه بكثير من الشك، فعبارة “الأمور تحت السيطرة” التي تتكرر في الخطابات الرسمية تعكس الرغبة في طمأنة الشارع، إلا أن الواقع يتطلب مقاربة أكثر شفافية ووضوحًا في مواجهة التحديات الاقتصادية، والمصارحة بشأن العقبات والحلول المقترحة هي السبيل الأفضل لتقليل هذه الشكوك وتعزيز الثقة، لأن تكرار نفس الوعود دون حلول جذرية يجعل المواطن يشعر أن كذبة نيسان ليست مجرد مناسبة سنوية، بل حالة مستمرة.

ومن منظور نقدي، يمكن مقارنة بعض السياسات المالية، التي تعتمد على الاقتراض الدولي وبرامج ضبط الإنفاق، ببرامج كذبة نيسان: ضرورية فنيًا لكنها تحمل نتائج غير محمودة . فمن جهة، تُسهم هذه السياسات في تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، لكن من جهة أخرى، تضع المواطنين تحت ضغوط معيشية إضافية، مثل ارتفاع الضرائب، وارتفاع الأسعار، وضعف القدرة الشرائية،وكما كذبة نيسان بحماسة ثم تنكشف لاحقًا، تبدو بعض السياسات الاقتصادية مبشرة في البداية، لكنها تحمل في طياتها تحديات جديدة.

وفي الوقت الذي يُطلب فيه من المواطنين التحلي بالصبر، تظل البطالة التحدي الأكبر الذي يواجه الشباب، فهي الحدث المؤلم في هذا السياق، خصوصًا بين الشباب والخريجين الجدد، حيث يترك الكثيرين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السفر إلى الخارج بحثًا عن فرصة أفضل، أو القبول بوظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم. وفي النهاية، لا يوجد “مقلب” يمكن أن يحل هذه المشكلة!

وفي النهاية، تنتهي كذبة نيسان عند منتصف الليل، لكن الأهم أن يكون هناك عمل جاد يجعل الوعود حقيقة، فالتنمية الحقيقية لا تُقاس بالكلمات، بل بالنتائج التي يشعر بها الجميع، والأهم من ذلك، أن تكون هناك رؤية واضحة تضع المواطن في قلب العملية الاقتصادية، بدلاً من أن يكون مجرد مستمع لوعود تتكرر كل عام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى