
22 الاعلامي
مهنا نافع
لنزعم أن الأسرة مؤسسة، وعلى الأغلب هي مؤسسة للخير، وبالأحرى لتبادل الخير، ولكنها ليست بالمفهوم العام للمؤسسة الخيرية، وبالتأكيد ليست بمفهوم غيرها من المؤسسات الربحية.
لكل من مدارس علم الاجتماع تعريفه الخاص للأسرة، وبالطبع كمصطلح وليس كلغة، وقد تتشابه التعريفات بإحدى جوانبها ولكن تختلف بكل ما تبقى منها، وللإنصاف ستجد أغلبهم أتقنوا التعريف، ولكن من منطلق المنظور الخاص للتراث والثقافة لمجتمعاتهم، وستجد القاسم المشترك بين الجميع هو الاعتماد على الرابط الأسري لتعريف المصطلح، فكانت المعضلة أن الروابط مختلفة، فهناك الأب والأم والأبناء والجد والجدة ولكل رابط خصوصيته في المجتمع الواحد، فما بالك باختلاف هذه الروابط بالإضافة إلى الاختلاف بالثقافة والتراث، فالجميع كان يبني نظريته من خلال دور الفرد ولكن ليس من خلال دور الأسرة ككل باعتبارها مظلة واحدة، ورغم اختلاف الكلمات ومعاني المصطلحات فالباحث بالنهاية يصبح كالقبطان الذي رسا بشاطئ ما فاختلفت أمامه أشكال التضاريس رغم عدم اختلاف ألوان رمالها.
إن استهل الباحث مقدمته لتعريف المصطلح برابط الأمومة فغالبا لا يشوب تلك المقدمة أي شائبة، فالرؤيا واضحة والمشاعر طاغية وحاضرة، والرابط لا يحتاج للكثير من التحليل، أما التعريف إن استهل من خلال رابط الأبوة فكثيرا ما يكون له مدخل لخلل ما، فالأب هو الغائب الحاضر وبطبعه قليل إظهار المشاعر، والبعض منهم شديد بكتم همومه وأسراره، دائما مشغول البال بالعمل والمال، وكمْ من الآباء إن سألتهم عن طبيعة العلاقة مع أبنائهم أجابوك إن أرادوا الظهور بنوع من التفاهم والحداثة… إننا أصدقاء أو… كالأصدقاء، غافلون عن خطورة تداخل هذا الأمر وما يحدثه من ارتباك بعقول الأبناء الصغار.
فرابط الصداقة للأبناء واضح منذ نعومة أظافرهم فقد يكون لديهم صديقا عزيزا منذ وقت قريب، ولكن اليوم أصبح لديهم صديق آخر جديد، وربما غدا سيكون لهم صديق ثالث أجد من هذا الجديد، وكثيرا ما تشوب علاقة الصداقة التذبذب، وقد يجدون أنفسهم بمرحلة مؤقتة ما أنهم ليسوا بحاجة لأحد، ليكون لديهم مدة من السكون بعيدا عن الجميع، إذن الابن يعلم أن الصديق (أمر متغير بديله دائما متوفر) فكيف يقوم الأب بإحلال مفهوم الصداقة مع الأبناء وهو غير مدرك أن الأبوة هي مؤسسة مختلفة لها مفاهيمها المستقلة.
فالأب ليس لأبنائه كأخ أو كصديق فهو يقدم مما لديه دون أي مقابل، لا بل نجاحهم هو المقابل، يراهم يكبرون أمامه وقد يجتازونه ثقافة وعلوما ونجاحا بالعمل، فلا يقارن نفسه بهم ولا ينتابه أي شعور من غيرة أو حسد، بل يسعد ويفرح، ويعتبر نجاحهم وتفوقهم هو تفوقا ونجاحا له وبامتياز خاص.
هو الأب الذي يقوي أجنحة أولاده ليعلمهم الإقلاع وحدهم في هذه الدنيا بسلام وأمان ونجاح، متخذا من خبراته الوسيلة لتجعلهم يعتمدون على أنفسهم، فيزرع الإحسان في أعماق قلوبهم، ليجعلهم مهما ابتعدوا وحلقوا عاليا، حتما سيعودون إليه، فهو الزارع الأول لبذور المحبة بحديقة منزله، وهو أول من سيقطف نبات الخير.
ولو أنت حاولت عزيزي القارئ قبل فقرة المقال الأخيرة تعريف الأسرة من خلال الثقافة الخاصة بمجتمعنا الشرقي، وبعيدا عن كل ما قدمه غيرنا، لعرفت من خلال عمق ثقافتنا وبلاغة لغتنا، أن الأسرة هي الأهل، والأهل هم كل من يخصونك من أفراد ممن عليك أن تعطيهم أولى اهتماماتك، فهم داخل دائرتك الأولى، وهم من سيحظون بالحصة الكبرى مما تستطيع أن تقدمه من محبة وخير غير منقطع، يدرك ويرى بالكلمات والأفعال، كلمات منطوقة مسموعة مخارج حروفها واضحة معروفة.
فالمشاعر التي يمكن أن تعبر عنها الكلمات إن بقيت مخفية مكبوتة حبيسة بالقلوب، فليس لها أي قيمه أو وجود، فهي تبقى غير معروفة، ومع الفرد تذهب بذهابه، فهي مجهولة ولصاحبها بحبسها مظلومة، لذلك كانت الأسرة وما تزال المكان الذي نشهر لقاطنيه أهلنا أحسن ما لدينا، إنها طريق للإحسان لعنوان اسمه مؤسسة أهل الخير والمحبة لبناء الإنسان.
مهنا نافع