
22 الاعلامي
غفران الطعيمات – يستخدم المتنمرون الوسائط الرقمية لإيذاء الآخرين، مما يترك آثارًا نفسية عميقة، في زمن التواصل السريع، أصبح من الضروري أن نتحد جميعًا لمواجهة هذه الظاهرة وحماية ضحاياها.
قال الناشط الحقوقي في ميادين علم النفس حسين النجار إن التنمر الإلكتروني يُعرف بأنه استخدام التكنولوجيا الرقمية لإيذاء أو مضايقة شخص آخر بشكل متكرر وعمدي، والفرق النفسي الجوهري بينه وبين التنمر التقليدي يكمن في قدرة المتنمر الإلكتروني على ملاحقة الضحية في أي زمان ومكان، مما يخلق شعوراً دائماً بالتهديد وعدم الأمان، وهو ما يضاعف من وطأة التأثير النفسي، مشيراً إلى أن التنمر التقليدي غالباً ما يكون محصوراً في بيئة معينة كالمدرسة، بينما يمتد تأثير التنمر الإلكتروني ليشمل جميع جوانب حياة الضحية.
أشكال متعددة وضحايا أبرياء
لفت النجار إلى أن أشكال التنمر الإلكتروني تتنوع بين نشر الشائعات والصور المحرجة، والتحرش عبر الرسائل الخاصة والعامة، والاستبعاد المتعمد من المجموعات الرقمية، وانتحال الشخصية، وصولاً إلى التهديدات المباشرة، و أن الفئات العمرية الأكثر عرضة لهذا النوع من التنمر غالباً ما تكون في مرحلة المراهقة والشباب، وذلك نظراً لاعتمادهم الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي في بناء هويتهم وعلاقاتهم، مما يجعلهم أكثر حساسية للتجارب السلبية في هذا الفضاء، وترجع هذه الحساسية إلى التطورات النفسية والاجتماعية التي يمر بها هؤلاء الأفراد، وحاجتهم إلى القبول والانتماء.
لماذا يصبحون جلادين أو ضحايا؟
وبين النجار أنه هناك عدة عوامل نفسية قد تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة لأن يصبحوا ضحايا، مثل تدني احترام الذات، والشعور بالوحدة والعزلة، والقلق الاجتماعي، وفي المقابل، أوضح أن الدوافع النفسية للمتنمرين قد تتضمن الشعور بالقوة والسيطرة، والبحث عن الاهتمام أو الإثارة، والحقد والغيرة، وأحياناً مجرد تقليد سلوكيات سلبية يرونها في محيطهم الرقمي، وأن فهم السلوك العدواني في البيئة الرقمية يتطلب النظر إلى ديناميكيات هذه البيئة، مثل سهولة إخفاء الهوية والشعور بالانفصال عن العواقب الحقيقية للأفعال.
جروح عميقة وآثار مدمرة على الصحة النفسية
شدد النجار على أن التنمر الإلكتروني يمكن أن يخلف آثاراً نفسية وخيمة على الضحايا، سواء على المدى القصير أو الطويل، تشمل هذه الآثار القلق المستمر، والاكتئاب، وتدني احترام الذات بشكل حاد، وصعوبات في النوم والتركيز، والشعور بالعار والذنب، وفي الحالات الشديدة قد تصل إلى التفكير في الانتحار”.
وأشار إلى أن التنمر الإلكتروني يؤثر سلباً على الصحة العقلية والاجتماعية للضحايا من خلال تدمير ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين، وعزلهم اجتماعياً، وصعوبة بناء علاقات صحية، مؤكداً على أنه قد تكون هناك بعض الفروق في التأثير النفسي بين الجنسين والفئات العمرية المختلفة، حيث قد تظهر الفتيات مثلاً مستويات أعلى من القلق والاكتئاب، بينما قد يميل الذكور إلى إظهار غضب أكبر.
طرق المواجهة ودور الدعم النفسي
نصح النجار الضحايا بـ التحدث إلى شخص بالغ موثوق به، مثل أحد الوالدين أو المعلمين أو الأصدقاء، و أهمية توثيق حالات التنمر والاحتفاظ بأي دليل عليها، واستخدام أدوات الحظر والإبلاغ المتاحة على المنصات الرقمية، مشيراً إلى أن الدعم النفسي يلعب دوراً حاسماً في مساعدة الضحايا على التعافي من الآثار النفسية للتنمر، ويمكن أن يشمل العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج الجماعي، والدعم من الأقران.
مسؤولية مشتركة لحماية الأبناء والمجتمع الرقمي
أكد النجار على الدور الحيوي الذي يجب أن يلعبه الأهل في حماية أبنائهم من خلال التوعية بمخاطر التنمر الإلكتروني، وتعليمهم كيفية التعامل معه، ومراقبة نشاطهم الرقمي بشكل مسؤول، والانتباه إلى أي علامات تدل على تعرضهم للتنمر أو ممارستهم له، ودعياً المدارس والمؤسسات التعليمية إلى تطوير برامج توعية شاملة حول التنمر الإلكتروني، وتوفير آليات للإبلاغ والدعم للضحايا، وتعزيز بيئة رقمية آمنة وإيجابية.
وشدد على أن المجتمع ككل يتحمل مسؤولية التصدي لهذه المشكلة من خلال نشر الوعي، وتغيير المفاهيم الخاطئة حول السلوك الرقمي، ومحاسبة المتنمرين، مشيرا إلى أن شركات التكنولوجيا لديها مسؤولية كبيرة في تطوير أدوات فعالة للكشف عن التنمر ومنعه، وتوفير آليات سهلة للإبلاغ والاستجابة السريعة لحالات التنمر.
نصائح نفسية للتعامل مع الظل الرقمي
واختتم النجار حديثه بتقديم نصائح نفسية للأهل والمعلمين للتعامل مع حالات التنمر الإلكتروني، تتضمن الاستماع بإنصات للضحايا وتقديم الدعم العاطفي لهم، وعدم التقليل من شأن تجربتهم، والتعاون مع المدرسة أو الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وتعليم الأطفال والشباب أهمية الاحترام والتعاطف في التعاملات الرقمية، وتشجيعهم على طلب المساعدة عند الحاجة، مؤكدا وأكد على أن مواجهة التنمر الإلكتروني تتطلب جهوداً متكاملة من جميع الأطراف لخلق بيئة رقمية أكثر أماناً وصحة نفسية للجميع.