مقالات
أخر الأخبار

الفقهاء يكتب : “النكبة الفلسطينية” .. الجرح المفتوح في ذاكرة الشعب الفلسطيني

22 الاعلامي – بقلم : يوسف الفقهاء

تُعدّ النكبة الفلسطينية واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية والسياسية في التاريخ الحديث، ليس فقط لأنها شكّلت نقطة تحوّل في حياة الشعب الفلسطيني، بل لأنها أيضًا مهّدت لصراع طويل لم ينتهِ حتى اليوم. ففي الخامس عشر من أيار/مايو من كل عام، يحيي الفلسطينيون وأحرار العالم ذكرى النكبة التي بدأت عام 1948 مع إعلان قيام “دولة إسرائيل” على أرض فلسطين، وما تبع ذلك من تهجير قسري وجرائم قتل واحتلال.

الخلفية التاريخية:

تعود جذور النكبة إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، مع ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين بدعم من القوى الاستعمارية، وخاصة بريطانيا. وفي عام 1917، أصدرت بريطانيا ما يعرف بـ”وعد بلفور”، الذي تعهدت فيه بدعم إقامة “وطن قومي لليهود” في فلسطين، متجاهلةً الحقوق التاريخية والسياسية للشعب الفلسطيني.

خلال فترة الانتداب البريطاني (1920–1948)، دعمت السلطات البريطانية الهجرة اليهودية، بينما قاوم الفلسطينيون هذه السياسات عبر احتجاجات وثورات، أبرزها ثورة 1936. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وازدياد الضغط على بريطانيا، أحيلت القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة التي اقترحت في عام 1947 خطة تقسيم فلسطين (القرار 181)، التي منحت اليهود 55% من الأرض رغم أنهم كانوا أقلية، ما رفضه الفلسطينيون والدول العربية.

أحداث النكبة:

بدأت النكبة رسميًا في 15 مايو 1948، بعد إعلان زعيم الحركة الصهيونية دافيد بن غوريون قيام “دولة إسرائيل”، وانسحاب القوات البريطانية من فلسطين. لكن عمليات التهجير والقتل كانت قد بدأت قبل هذا التاريخ، على يد الجماعات الصهيونية المسلحة مثل “الهاغاناه” و”شتيرن” و”الإرغون”.

تم ارتكاب عشرات المجازر بحق القرى الفلسطينية، من أبرزها:

مجزرة دير ياسين (أبريل 1948): راح ضحيتها أكثر من 250 مدنيًا فلسطينيًا.

مجزرة الطنطوره: قُتل فيها أكثر من 200 شخص بعد استسلامهم.

مجزرة اللد والرملة: تم فيها طرد عشرات الآلاف تحت تهديد السلاح.

أسفرت النكبة عن تهجير نحو 750,000 فلسطيني من أصل 1.4 مليون، وتدمير أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينية. كما مُنِع اللاجئون من العودة إلى ديارهم، رغم أن القرار الأممي 194 الصادر عام 1948 نصّ على حقهم في العودة والتعويض.

الآثار المترتبة على النكبة:

  1. اللاجئون: يعيش اللاجئون الفلسطينيون اليوم في الشتات بمخيمات في لبنان، سوريا، الأردن، الضفة الغربية، وقطاع غزة، ويُقدّر عددهم حاليًا بأكثر من 6 ملايين لاجئ.
  2. فقدان الأرض: تمت السيطرة على نحو 78% من فلسطين التاريخية.
  3. غياب الدولة: حُرِم الفلسطينيون من إقامة دولتهم المستقلة رغم اعتراف الأمم المتحدة بها لاحقًا عام 2012 كدولة مراقب.
  4. الانقسام والتشتت: أحدثت النكبة انقسامًا سياسيًا وجغرافيًا بين الفلسطينيين، ما زالت آثاره مستمرة حتى اليوم.

ردود الفعل الدولية:

رغم أن المجتمع الدولي اعترف بحق اللاجئين في العودة عبر القرار 194، فإن هذا الحق لم يُنفّذ، كما أن القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، استمرت في دعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا. في المقابل، أسست الأمم المتحدة وكالة “الأونروا” (UNRWA) عام 1949 لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، لكنها ظلت تعمل تحت قيود سياسية ومالية أثّرت على دورها.

إحياء ذكرى النكبة:

يُحيي الفلسطينيون في الخامس عشر من أيار من كل عام يوم النكبة من خلال:

تنظيم مسيرات وفعاليات جماهيرية.

إلقاء كلمات وطنية وثقافية.

عرض أفلام ووثائقيات عن التهجير والمجازر.

إقامة معارض صور وندوات تعليمية.

وتشكّل هذه الذكرى مناسبة للتأكيد على حق العودة ورفض محاولات محو الهوية والتاريخ الفلسطيني، رغم محاولات التهويد والتزييف المستمرة.

الخاتمة:

النكبة لم تكن حدثًا عابرًا في التاريخ الفلسطيني، بل هي مأساة مستمرة، تتجدد مع كل جيل يعاني من الاحتلال، الحصار، اللجوء، والاستيطان. وبرغم ذلك، لم تنكسر إرادة الفلسطينيين، ولا زالوا متمسّكين بحقوقهم المشروعة، وفي مقدمتها حق العودة. ويظلّ إحياء ذكرى النكبة واجبًا وطنيًا وتاريخيًا يُعيد التأكيد على أن النسيان ليس خيارًا، وأن المقاومة بأشكالها المختلفة مستمرة حتى نيل الحرية والكرامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى