
22 الاعلامي – في تصريح لمعالي وزير الشؤون السياسية والبرلمانية عبدالمنعم العودات بمناسبة الاستقلال لوكالة الانباء الاردنية “بترا” قال العودات أن الاستقلال مثّل نقطة تحول في تاريخ الأردن، حيث شكّل الأساس لإطلاق مشروع بناء الدولة الحديثة، وتعزيز الهوية الوطنية القائمة على مبادئ الثورة العربية الكبرى، والسعي نحو تنمية شاملة رغم التحديات الإقليمية المحيطة بالمملكة، بحكم وقوعها في منطقة نزاع سياسي طويل ما زال قائمًا حتى اليوم.
وأضاف الوزير، أن الاستقلال ساهم بشكل مباشر في تأسيس نظام دستوري متين ومتقدم، فبُعيد دستور الاستقلال الذي صدر عام 1947، صدر دستور عام 1952، وهو من أكثر الدساتير تقدما، حيث نص على الفصل بين السلطات (التنفيذية، التشريعية، القضائية) واحترام الحريات العامة، وحدد طبيعة الحكم بأنه نيابي ملكي وراثي، مؤكدًا أن هذا الدستور مكّن من بناء دولة مؤسسات راسخة ساهمت فيما بعد في تجاوز الدولة للعديد من التحديات التي واجهتها، وهو التراكم الذي أدى إلى ترسيخ السيادة الوطنية وسيادة القانون، وتعريب قيادة الجيش، وبناء قاعدة دستورية صلبة كانت نقطة الانطلاق نحو تحديث شامل.
وأوضح العودات، أن جلالته تعهد بجعل التحديث السياسي مشروع دولة مَهد له منذ أن تولى سلطاته الدستورية، واضعا أبناء وبنات الأردن في أعلى درجات سلم أولوياته ليكونوا القوة الحقيقية في بناء الأردن الجديد. فجاء تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية على موعد مع التحديات التي تفرض على الأردن تحصين بيته الداخلي في مواجهة الأزمات المحيطة به، وفي التصدي لأي استهداف مهما كان نوعه، أو حجمه أو مصدره، فكانت التعديلات الدستورية وقانون الأحزاب وقانون الانتخاب اللذان جرت على أساسهما انتخابات المجلس النيابي العشرين بمثابة تحول سياسي مفصلي في اتجاه عملية النهوض الشامل والدخول في المئوية الثانية من عمر الدولة وهي أكثر تماسكا وقوة وثباتا، وأكثر قدرة على تحقيق مشاريع الدولة ورؤيتها الاقتصادية والإدارية، ضمن مبدأ دولة القانون والمؤسسات.
وقال إن مشروع التحديث في المئوية الثانية هو امتداد طبيعي لتراكم تأسيسي بدأ مع الاستقلال؛ فالتحديات تغيّرت، لكن الرؤية بقيت ثابتة: بناء دولة قوية، منتجة، عادلة، ذات مؤسسات فاعلة ومجتمع مشارك وتعزيز المواطنة وسيادة القانون. إنه انتقال من مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها إلى مرحلة ترسيخ الدولة الحديثة القادرة على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين بثقة واستدامة.
وحول تجاوز الهاشميين التحديات التي واجهتها المملكة بعد الاستقلال في سعيهم نحو بناء دولة حديثة، قال الوزير، إن القيادة الهاشمية تجاوزت التحديات التي واجهتها المملكة الأردنية الهاشمية بعد الاستقلال عام 1946 برؤية واقعية، وقيادة حكيمة، واعتماد تدريجي على الذات، في ظل بيئة إقليمية مضطربة وشُحّ في الموارد، مبينًا أن المملكة كانت ناشئة تواجه تحديات وجودية، أبرزها ضعف البنية التحتية، والفقر، والأمية، وقلة الكوادر الوطنية، والتوترات الإقليمية المرتبطة بالقضية الفلسطينية وحروب المنطقة. إلا أن القيادة الهاشمية، بدءًا من الملك المؤسس عبدالله الأول، ثم الملك طلال طيب ثراه، فالملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، وصولًا إلى جلالة الملك عبدالله الثاني، واجهت هذه التحديات بسياسات توازن بين الحفاظ على الاستقرار الداخلي والانفتاح على التحديث والتطور. والعمل على مأسسة التشريعات والقوانين ومؤسسات وإدارات الدولة.
وأوضح الوزير، أن أولى خطوات التجاوز تمثلت في (ترسيخ الشرعية الدستورية) عبر إصدار دستور حديث عام 1952، يُقر الحقوق السياسية والمدنية ويؤسس لحكم نيابي ملكي، ما عزز الاستقرار الداخلي ووفّر أساسًا قانونيًا لبناء مؤسسات الدولة، مشيرًا أن القيادة الهاشمية سعت إلى بناء تحالفات إقليمية ودولية معتدلة، فتجنّب الأردن سياسة المحاور، ونجح في كسب الدعم العربي والدولي دون التفريط في استقلال قراره الوطني، مبينًا أن هذا التوازن مكّنه من ترسيخ قواعد الدولة المتينة القائمة على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين وتأسيس اقتصاد وطني يساهم فيه الأردنيون جميعا.
وتابع من أبرز محطات تجاوز التحديات، قرار (تعريب قيادة الجيش العربي عام 1956)، في خطوة جريئة عززت السيادة الوطنية ورفعت الروح المعنوية لدى الأردنيين. كما قاد الهاشميون مشروعًا وطنيًا للتعليم، فتم تعميم التعليم الأساسي والاهتمام بالجامعات، بهدف بناء الإنسان الأردني كرافعة أساسية للتنمية. وتم كذلك تطوير الإدارة العامة، وتوسيع مؤسسات الدولة لتصل إلى جميع المحافظات، ما عزز الانتماء الوطني ووضع الأساس لحكم مؤسسي مستقر.
وقال العودات، في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، بدأ الأردن مرحلة جديدة من التحديث والتطوير ترتكز على الاقتصاد الرقمي، والحوكمة الرشيدة، والتحديث السياسي المنظّم، وهو ما يعكس استمرار النهج الهاشمي في تجاوز التحديات والتغلب عليها، وبالواقعية السياسية لا بالمغامرة. فتجاوز التحديات ما بعد الاستقلال لم يكن نتاج حلول آنية، بل رؤية تاريخية عميقة تجمع بين شرعية القيادة، ومشروعية الإنجاز، والقدرة على التكيّف مع المتغيرات دون التفريط بثوابت الدولة.