22 الاعلامي - بقلم : نانسي السيوري
في عالم تتسارع فيه الألقاب أكثر من الإنجازات، بات من الشائع أن يظهر علينا شخص يفتتح حديثه بلقب "الدكتور"، ليُشعرك أنك أمام قامة علمية لا يُشق لها غبار. وما إن تستمع إليه دقائق، حتى تدرك أنك أمام حامل دكتوراه… فخرية.
لكن لا تقلل من شأن الكلمة، فهي ليست مجرد "فخرية"، بل فخرٌ ممتدٌ على مدى الأنا.
الدكتوراه الفخرية، كما يعرفها العالم الأكاديمي، تُمنح تكريمًا لشخصيات ساهمت في مجالات إنسانية أو ثقافية أو سياسية، دون أن تمر عبر مسار البحث الأكاديمي الذي يتطلب سنينًا من الجهد والقراءة والشك والتدقيق.
هي شكرٌ معنوي، لا شهادة علمية. لا تُخوّل حاملها الإشراف على أطروحات، ولا حتى كتابة منشور بلا أخطاء.
ومع ذلك، تجد بعضهم لا يرضى أن تناديه باسمه فقط. لا، لابد من "الدكتور" قبله، وإلا فقد تجرأتَ على رمز من رموز المعرفة (أو هكذا يظن).
في بعض الأوساط، أصبح الأمر أشبه بمسرحية لا تنقصها إلا المؤثرات الصوتية. ترى حامل الدكتوراه الفخرية يُقدّم نفسه كخبير استراتيجي، و"رمز وطني"، وملهم لجيل الشباب، و"داعم للسلام العالمي"، وربما مؤلف لكتب قد لا يعرف هو نفسه محتواها.
لكنه يوقّعها بثقة مطلقة:
"د. فلان الفلاني – مفكر وملهم"
وإذا سألته عن مصدر الشهادة، ابتسم ابتسامة المُنتصر وقال: "من جامعة دولية عريقة في أوروبا" (وغالبًا العراقة هنا تعني أن موقعها الإلكتروني مصمّم بنسخة ويندوز 98).
في الأردن، لدينا أيضًا من ظن أن "الفخرية" تجعله فوق النقد. ناشطون – بلا مبالغة – يتحسسون من اسمهم إذا لم يُسبق بـ"دكتور او دكتورة". وإن ناديتهم باسمهم المجرد، فأنت لا تفهم التقدير الأكاديمي (ولا تفهم "البريستيج" وهذه تهمة أخطر).
ولأن البعض يخلط بين التكريم والعلم، باتت الدكتوراه الفخرية أداة تسويق في بطاقات العمل، وصفحات المبادرات، وحتى في توقيع رسائل الواتساب. وكأننا أمام نوع جديد من الدبلوماسية:
دبلوماسية الألقاب… و"يا أرض اتهدّي".
الحقيقة أن المشكلة ليست في الفخرية نفسها – فهي تقدير محترم – بل في من يضعها على رأسه كـ"تاج مُصفّح"، ويطالب العالم بأن يسجد له لمجرد أنه تلقى شهادة ذات إطار ذهبي.
وختامًا، لا عيب في أن تكون "فلان" دون دكتوراه. العيب أن تصنع لنفسك تمثالًا من ورق، وتطالب الآخرين أن يصفقوا له كلما مررت.
نانسي السيوري