22 الاعلامي - بقلم فادي زواد السمردلي
اسمع وافهم الوطني افعال لا اقوال
في تطور دراماتيكي ينذر بتغيير قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، اندلع صراع عسكري مباشر بين إيران وإسرائيل، وُصف بأنه الأخطر منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979. فبعيدًا عن حروب الوكلاء والمناوشات الحدودية، جاء التصعيد هذه المرة في صورة ضربات عسكرية مكثفة بين دولتين تملكان قدرات تسليحية متقدمة، وسجلتا رسائل نارية مدروسة ومباشرة.
بدأت شرارة المواجهة مع عملية إسرائيلية واسعة النطاق حملت اسم "Rising Lion"، استهدفت مواقع استراتيجية داخل إيران، شملت منشآت نووية في نطنز وأصفهان، ومقرات للحرس الثوري ومراكز اتصالات عسكرية. العملية التي وصفتها القيادة العسكرية الإسرائيلية بأنها "ضربة استباقية شاملة"، جاءت في وقت كان فيه التوتر يتصاعد بشكل غير مسبوق ووفقًا لتسريبات أمنية، فقد قُتل خلال الضربات عدد من الشخصيات القيادية، أبرزهم القائد العسكري الإيراني حسين سلامي، ما مثل ضربة معنوية مدوية لطهران.
رد إيران لم يأتِ على استحياء، بل جاء مدروسًا ومكثفًا عبر عملية "الوعد الصادق 3"، التي شملت إطلاق عشرات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة نحو أهداف داخل العمق الإسرائيلي. ورغم أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية اعترضت الهجمات، إلا إن بعض الصواريخ استطاعت اختراق الدفاعات، لتسقط في مناطق حساسة وسط تل أبيب والقدس، ما أسفر عن إصابات مادية وبشرية وفرض حالة طوارئ شاملة.
اللافت أن هذا التصعيد جاء وسط صمت إقليمي حذر، وحراك دبلوماسي مكثف لمحاولة احتواء الانفجار الكبير فعواصم مثل عمّان والرياض والقاهرة وأبوظبي أعربت عن قلقها العميق من انزلاق الأوضاع إلى حرب إقليمية شاملة، قد تكون عواقبها مدمّرة على أمن المنطقة واستقرارها. في المقابل، أغلقت إيران مجالها الجوي أمام الطيران المدني، مما أحدث ارتباكًا واسعًا في الملاحة الجوية وتداعيات اقتصادية فورية.
الخلفيات العقائدية والأمنية لهذا التصعيد تعود إلى جذور الصراع الطويل بين الطرفين فإسرائيل تعتبر البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا مباشرًا، وتتهم طهران بتمويل وتسليح جماعات معادية لها في غزة ولبنان وسوريا واليمن وعلى الجانب الآخر، ترفض إيران الاعتراف بشرعية الدولة العبرية، وتعتبر وجودها مشروعًا استعماريًا يجب مقاومته بكل الوسائل، وتعتمد سياسة دفاع استباقي من خلال شبكة حلفاء ممتدة في الجغرافيا الإقليمية.
تشير التحليلات إلى أن ما يحدث يتجاوز مجرد مواجهة عسكرية عابرة بل يمثل تغييرًا استراتيجيًا في آليات الردع والتفاعل بين الطرفين فالخيار العسكري لم يعد حكرًا على الوكلاء، وإنما أصبح خيارًا مباشرًا بين الدولتين وهذا التطور قد يفتح الباب لانخراط لاعبين إقليميين آخرين في حال استمرار التصعيد، وفي مقدمتهم حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، مما يعني إمكانية فتح أكثر من جبهة في توقيت حساس للغاية.
في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال الهشاشة الداخلية التي تعاني منها كل من إيران وإسرائيل. ففي الأولى، تشهد البلاد ضغوطًا اقتصادية واحتجاجات متقطعة منذ سنوات، بينما تواجه الثانية انقسامًا سياسيًا داخليًا حادًا يعكس أزمة ثقة بين القيادة والمجتمع وهذه العوامل تجعل من الصعب التنبؤ بخطوات الطرفين، وقد تدفع إحداهما أو كليهما إلى التصعيد لتوحيد الصفوف داخليًا.
ما حدث في حزيران 2025 لا يمكن اعتباره مجرد تصعيد عابر، بل هو لحظة مفصلية تعكس تحولًا في طبيعة الصراع بين قوتين متنازعتين على النفوذ في الشرق الأوسط ومع كل صاروخ ينطلق، ومع كل غارة تُنفّذ، يصبح المشهد أكثر تعقيدًا، والسؤال الأكثر إلحاحًا هل سنشهد انزلاقًا نحو حرب إقليمية شاملة، أم أن العقلاء سيتدخلون لرسم حدود جديدة للعبة النار والردع؟
يبقى أن نراقب بحذر: هل ما نعيشه الآن هو بداية النهاية لصراع طويل، أم بداية لمرحلة أشد وأوسع؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.