22 الاعلامي - بقلم : م. بسام ابو النصر
في الوقت الذي تشتعل فيه المنطقة ببسبب التصعيد الخطير بين إيران وإسرائيل، يقف الأردن وسط العاصفة، محاولًا الحفاظ على أمنه، وسيادته، واستقلالية موقفه السياسي، في ظل ضغوط متقاطعة، وتطورات ميدانية غير مسبوقة. ورغم أن المملكة ليست طرفًا مباشرًا في هذا الصراع، إلا أن الجغرافيا وواقع الإقليم يفرضان علينا مسؤوليات جسيمة وتحديات خطيرة لا يمكن تجاهلها.
إن اعتراض الدفاعات الجوية الأردنية لصواريخ ومسيّرات اخترقت أجواء المملكة خلال الأيام الماضية لا يمثل انحيازًا لأي طرف، بقدر ما هو واجب سيادي ووطني مقدّس في الدفاع عن سماء الوطن وأرضه ومواطنيه. فسماء الأردن ليست ممرًا مباحًا لأي دولة أو محور، عدا أن اي انحياز يأخذ الموقف الشعبي بعين الاعتبار سيدخلنا في أتون المخاطرة بمستقبل الدولة، ومن هذا المنطلق، من حق الأردن أن يطلب، وبشكل رسمي وواضح، من جميع الأطراف المتصارعة – إيران وإسرائيل على حد سواء – الابتعاد الكامل عن أجوائه، ومياهه، وحدوده البرية والجوية، وعدم استخدامها في أي حسابات عسكرية أو رسائل استراتيجية.
هذا الموقف ليس عدائيًا، بل هو حق طبيعي لدولة ذات سيادة، وأن سكوت الاردن لاي اختراق هو دخول المعركة الدائرة مع الجهة التي تطلق مسيرات او صواريخ، او ترسل عبر طائرات عبر أجوائه.
قد يطالب البعض بأن يتّخذ الأردن موقفًا سياسيًا أكثر وضوحًا في هذا الصراع، أو أن "ينأى بنفسه" بالكامل. غير أن الحياد السياسي الواعي لا يعني الانسحاب من المسؤولية، بل هو خيار استراتيجي يُجنّب البلاد التورط في صراع ليس لها فيه ناقة ولا جمل، مع الحفاظ على الثوابت القومية والحق العربي في الأمن والاستقرار
والسؤال الأهم ماذا لو سمح الاردن بإختراق سماءه من قبل المسيرات والصواريخ الايرانية، وماذا يمكن أن يكون الرد الامريكي او الصهيوني أو حتى بعض الدول العربية الشقيقة، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وهذا السؤال موجه الى الذين يتشدقون بارائهم الشعبوية الساذجة، ولذلك سيكون من المناسب ان يكون الموقف الشعبي الى جانب ايران لانها تدك العدو المحتل الذي لم يراعي بنا إلا ولا ذمة في قتل أطفال غزة والاعتداء على اهلنا في فلسطين، بينما هناك حسابات أخرى للموقف الرسمي.
السياسة الحكيمة تقتضي أن لا يُجرّ الأردن إلى اتخاذ مواقف قد تنعكس عليه سلبيًا شعبيًا أو أمنيًا، خصوصًا أن الشارع الأردني يتابع عن كثب ما يجري، وبعض الأصوات الشعبية تتعاطف مع ضربات إيران في عمق إسرائيل، دون الانتباه لما قد تُخفيه هذه الشعارات من مخاطر حقيقية على استقرار الداخل، أو لما قد تحمله من فرص ذهبية لخلايا نائمة أو جهات متطرفة تسعى لاستغلال هذه اللحظة لزعزعة الجبهة الداخلية.
في هذا السياق، لا بد من التحذير من الخطر المتزايد لتسلل عناصر مليشياوية عبر الحدود الشمالية والشرقية، أو تنشيط خلايا نائمة تعمل على تأجيج الفوضى الداخلية تحت شعار "نصرة القضية". هؤلاء لا يخدمون الوطن، بل يستغلون اللحظة لإحداث شرخ داخلي، وتعريض أمن الأردنيين للخطر، تحت غطاء من الشعارات الشعبوية.
وهنا تبرز ضرورة تعزيز الجاهزية الأمنية، وتكثيف التنسيق الاستخباراتي، وتحصين الجبهة الداخلية عبر خطاب إعلامي واضح وشجاع يُفرّق بين "التعاطف" المشروع مع الأشقاء في فلسطين، وبين الانجرار إلى مشاريع فوضى تستهدف استقرار الأردن.
لا يمكن الحديث عن هذا الصراع دون تحميل إسرائيل مسؤولية مباشرة عن لحظة الانفجار الحالية. فقد بدأت إسرائيل التصعيد حينما وجّهت ضربات قاسية ومفاجئة داخل العمق الإيراني، استهدفت قادة وعلماء ومراكز عسكرية واستراتيجية حساسة، رغم التطمينات الإيرانية المعلنة – والمتكررة – بأنها لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، ورغم مطالبات أطراف إقليمية ودولية، بعضها صديقة لإسرائيل، بضرورة التروي وعدم توسيع دائرة المواجهة.، أو هكذا ما تم التصريح به.
لكن إسرائيل ضربت بعرض الحائط كل تلك الدعوات، وفجّرت الوضع بطريقة وضعت المنطقة كلها على حافة هاوية جديدة، لا يعرف أحد متى أو كيف تنتهي
أمام هذا المشهد الخطير، فإن الطريق الأسلم للأردن يتمثل في ما يلي:
1. التمسك التام بالسيادة الوطنية، والدفاع عن الأجواء والمياه والأرض بكل الوسائل الممكنة، دون التورط في الحسابات العسكرية للأطراف المتنازعة.
2. التأكيد السياسي والدبلوماسي للطرفين – إيران وإسرائيل – بأن أراضي الأردن ليست ممرًا ولا ساحة للرسائل المتبادلة.
3. التوازن في الخطاب الرسمي والشعبي، لعدم الانجرار إلى مواقف قد تضر بمصالح الأردن أو تفتح ثغرات أمنية داخلية.
4. مراقبة التحركات الحدودية والاستخباراتية، لمنع أي تسلل أو تسهيل لنشاط الخلايا النائمة أو الجماعات المتطرفة.
5. العمل على دعم جهود التهدئة الإقليمية، من خلال التنسيق مع الدول العربية المؤثرة (قطر، مصر، عُمان، السعودية) لتجنّب انزلاق المنطقة إلى حرب مفتوحة.
الأردن لا يقف ضد أحد، لكنه يقف مع نفسه أولًا. فالمصلحة الوطنية العليا تستدعي أن يبقى بعيدًا عن الصراع، لكنه في الوقت نفسه لا يقبل أن يُستباح فضاؤه باسم أي معركة لا تعنيه. وفي زمن الفوضى، يصبح الدفاع عن العقلانية والاستقرار هو الموقف الأكثر شجاعة.