22 الاعلامي - بقلم : هيا حجير
في ظل التصعيد العسكري المتواصل بين إيران وإسرائيل، يجد الأردن نفسه في موقف جغرافي وسياسي بالغ الحساسية، يُلزمه باتخاذ مواقف دقيقة ومتوازنة. فالمملكة التي لطالما عُرفت بموقفها الحيادي تجاه النزاعات الإقليمية، تواجه اليوم تحديًا فعليًا في حماية أمنها الداخلي دون التورط في صراعات خارجية لا ناقة لها فيها ولا جمل، لكنها تقترب من حدودها وتكاد تلامس أجواءها.
رغم كل ما تشهده المنطقة من اضطراب، بدءًا من الحرب في غزة، مرورًا بالتصعيد بين طهران وتل أبيب، ووصولًا إلى التهديدات العابرة للحدود، يواصل الأردن السير بثبات، معتمدًا على خبرته الطويلة في التعامل مع الأزمات، وعلى مزيج من الحذر الأمني والدبلوماسية الحكيمة. في عام 2025، وعلى الرغم من تصاعد التهديدات السياسية والاقتصادية، ما زال الأردن يتمسك بثوابته السياسية، ويعمل على حماية استقراره بكل الوسائل الممكنة، دون أن ينجر إلى دوامة صراعات لا تخدم مصالحه ولا أمن مواطنيه.
في الأشهر الماضية، رفعت القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية من مستوى الجاهزية، بعد رصد نشاط جوي غير معتاد في الأجواء الإقليمية. وفي أبريل الماضي، تعامل الأردن بصرامة مع التهديدات المحتملة، وأسقط طائرات مسيّرة دخلت مجاله الجوي، كما قررت السلطات إغلاق المجال الجوي مؤقتًا في خطوة احترازية لحماية الطيران المدني. هذا التعاطي الحازم أكد جهوزية المملكة وقدرتها على حماية سيادتها، دون الحاجة إلى أي تصعيد غير محسوب.
لكن في مقابل هذا الجهد الرسمي، برز مشهد شعبي مقلق يعكس نوعًا من الاستهتار الخطير. فقد خرج بعض المواطنين إلى الأسطح والشوارع في أثناء فترات التوتر الأمني، لمتابعة الطائرات في السماء أو تصوير ما يعتقدون أنه مشهد مثير. هذه التصرفات، التي قد تبدو عفوية أو مدفوعة بالفضول، تنطوي على مخاطر جسيمة. فوجود الأشخاص في أماكن مكشوفة خلال أوقات التهديد لا يعرّض حياتهم للخطر فقط، بل يعرّض الآخرين أيضًا، خصوصًا الأطفال والعائلات، لكارثة محتملة في حال حدوث أي طارئ.
الأجهزة الأمنية تبذل أقصى جهدها لحماية المواطنين، لكنها لا تستطيع أن تحمي الجميع إذا لم يكن الوعي الشعبي على مستوى اللحظة. الالتزام بالبقاء في المنازل خلال فترات الخطر ليس خيارًا شخصيًا، بل هو واجب وطني وأخلاقي. حين تصدر الجهات المختصة تعليماتها، فإنها تستند إلى معلومات دقيقة وتحليلات أمنية عميقة، هدفها الأول والأخير الحفاظ على حياة الناس.
ما يحدث في الأجواء لا ينبغي أن يُنظر إليه كمشهد يمكن توثيقه على الهاتف المحمول أو مشاركته على وسائل التواصل. بل يجب أن يُفهم في سياقه الحقيقي كتهديد محتمل، يتطلب الحذر والالتزام لا التجمهر والمخاطرة. في لحظات كهذه، لا يُقاس الانتماء بالأمنيات، بل بالسلوك. والدولة التي تسهر على سلامة مواطنيها، تستحق بالمقابل أن يبادلها المواطنون نفس الشعور بالمسؤولية.
الأردن يمر بمرحلة دقيقة، لكنه لا يزال نموذجًا للاستقرار في منطقة مضطربة. الحفاظ على هذا النموذج لا يعتمد فقط على الأجهزة الأمنية ولا على السياسة الخارجية، بل يبدأ من كل منزل، وكل شخص، يعرف متى يلتزم، ومتى يتراجع، ومتى يفهم أن الوقوف في المكان الخاطئ قد تكون كلفته باهظة