آخر الأخبار

النجادات يكتب : إيران وإسرائيل في مرآة همنغواي

{title}
22 الإعلامي   -

22 الاعلامي - بقلم : علي سليمان النجادات



لعل طبيعة الهدوء الظاهري، في تأمل أشياء العالم للإنسان المسكون بهم الموجود او بهم انه موجود، ستجعل منه إنسان أكثر نفاذاً في العمق الإنساني، وعلى الدوام مساحة للتأمل الدائم والمستمر.



التكوين الذاتي لإنسان ناجٍ من الحرب، يختلف بما لا يقاس عن أي إنسان آخر، فالحرب لا تترك أحداً على حاله، تتسلل الى النفس قبل الجسد تعبث بالهوية، وتُعيد تشكيل الوعي على أنقاض ذات جرحها الوجود.



 إنسان ضحية السرديات الكبرى، له بناءٌ هش عرضه للإنهيار والتهشم في أي لحظة، انه اكثر رهافة من جناح فراشة، ضعيف وسريع التحطم حالما يفقد أحد أهم عناصر بقاؤه الأساسية : كيف لي أن أعيش؟.



لم يعد الأمر يحتمل مزيداً من الثرثرة، فريدريك هنري بطل رواية وداعاً للسلاح لإرنست همنغواي، ضج بالحياة وراح يحرقها علناً بعدما أتت على بقاياه عبثية الحرب وقسوتها، يصرخ صراخ الطائر الجريح إلى أين المفر، لا الدنيا تقبل بي ولا شيء آخر.



ما الجدوى من القتال؟ سؤال لم يفلح هنري في الإجابة علية، وغالباً ما يكون عجزه عن الإجابة، ليس إلا صدقاً مؤلماً بأن الحرب ليست ساحة للبطولات بل مقصلة لكل ما هو جميل.



لم يعد هنري يثق بأن هُناك مكان آخر حريٌ به العيش عليه، بعدما أحرق قلبه الأسى، فهو القادم من حروب خاسرة ، الحرب والحب والحياة، يمشي مع ذكرياته في خراب طاغٍ يسود كونه ويسري في اذنه دائماً أنه قادم من اللاجدوى واللامعنى : لماذا؟ هو لا يعرف.



حس مأساوي يذهب بك إلى منفى أعماقك ودواخلك، وأنت تجد نفسك داخل تجربة صادمة للواقع تفتعل الخراب الروحي في النفس من خلال مُعايشتها جسدياً ونفسياً وعملياً.



الامر لا ينطوي على مبالغة ما، فمتى ما تكف أشياء الحياة عن اتصالها بمنطق ما متماسك، تبدأ عملية النفاذ الروحي من قلب الواقع بالتصاعد في أضيق المعاني.



وعلى الواجهة الأُخرى إيران وإسرائيل، تتبادلان الهجوم تلو الهجوم، مع إحتمال واقع سوف يقع مثل اليقين.



إيران لا تريد الانسحاب من مشروعها الإقليمي، وإسرائيل لا تقبل بخيارات التهدئة دون شروطها، صراع يجمع بين الإيديولوجيات ، الدين والسلاح والنووي، ليس من الممكن أن يكون في طريقه إلى الحل.



العمق الحقيقي للصراع هو تناقض جوهري بين مشروعين استراتيجيين، يحمل كل منهما رؤية مغايرة للمنطقة، ومكاناً متصادماً داخل النفوذ الإقليمي.



في رواية وداعاً للسلاح نجا فريدريك هنري بحياته، بعدما عاش تجربة حرب مريرة وقاسية وعبثية، حرب مجردة من البطولة، ليكتشف بعدها انه لم يعد يلوي على شيء سوى وحدته التي لا تكف عن الحضور، وفي حرب إيران وإسرائيل، صراع بلا نهاية وحروب يُعاد تدويرها بأسماء وعناوين جديدة، المنتصر الوحيد فيها هو الموت.



علي سليمان النجادات