22 الاعلامي - بقلم هند عمر اخصائية نفسية وتربويه
في العصر الرقمي، لم تعد الشاشات مجرّد أدوات تواصل، بل أصبحت امتدادًا لحياتنا، ومرايا تعكس -أو تُخفي- ما نريد إظهاره من ذواتنا.
نتصفح المنصات يوميًا، نقرأ تغريدات وتعليقات، نشاهد مقاطع وصورًا، ونتفاعل مع شخصيات نجهل عنها كل شيء سوى ما تقوله أو تفعله في هذا الفضاء. حسابات بأسماء مستعارة، وصور رمزية لا تشي بأصحابها، وآراء لا نعلم إن كانت صادرة عن قناعة أم مجرد ادّعاء.
فمن يكون ذلك المتحدث الواثق؟
ومن تلك الكاتبة الجريئة؟
ومن صاحب ذلك الطرح الحاد أو الفكاهة المفرطة؟
في الغالب، لا نعرف. بل وقد لا نعرف أبدًا.
ثمة فجوة متنامية بين الشخصية الواقعية والشخصية الافتراضية. يختبئ كثيرون خلف أسماء مستعارة أو أقنعة لغوية، خشية الرفض أو النقد، أو رغبة في الهروب من مواجهة الذات.
ولكن السؤال الجوهري: ما الذي يمنع الإنسان من أن يكون ذاته؟ من أن يكتب باسمه، ويتحدث بصوته، ويعرض فكره بصدق دون تزويق أو مواربة؟
الحضور الحقيقي لا تصنعه الزينة الرقمية، بل المصداقية. والناس -مهما بدوا عابرين- يملكون حاسة فطرية تميز بين من يكتب من قلبه، ومن يتقمص شخصية لا تُشبهه. وذات يوم، قد يكون أحد المتابعين فرصة مهنية، أو شريكًا فكريًا، أو بابًا لم يُحسب له حساب.
إنّ الظهور بشخصيتك الحقيقية لا يعني أن تُفصح عن كل تفاصيلك، لكنه دعوة إلى الصدق. إلى أن تقول ما تعنيه فعلًا، وتفعل ما تؤمن به حقًّا. لأن العالم الرقمي، على اتساعه، لا ينسى. وما تكتبه اليوم، قد يُشكّل صورتك غدًا.
فاختر أن تكون أنت.
كما أنت.
بلا أقنعة ولا زوائد.
لأن الأصل دائمًا أبلغ من التقليد.