22 الاعلامي - بقلم : عمر الشراري
منذ سنوات، كانت الحكومات تتحدث عن "تحديث سياسي" و"تمكين الأحزاب" و"تعزيز المشاركة الشعبية". لكن على أرض الواقع، يبدو أن الاتجاه يسير بعكس هذه الشعارات تمامًا.
في التغييرات الأخيرة، تم استبدال مجالس المحافظات والبلديات المنتخبة بنظام تعيين مباشر، وسط تغييب شبه كامل لدور الأحزاب، حتى تلك التي كانت جزءًا من المشهد القانوني والسياسي المُرخص.
قد يرى البعض أن هذا التحوّل نحو التعيين هدفه ضمان وجود الكفاءات أو ما يسمى بـ"التكنوقراط"، لكن السؤال المشروع هنا:
أين موقع الأحزاب من هذه العملية؟
الأحزاب، بحكم القانون والدستور، هي أداة تنظيمية للشارع السياسي، ومكوّن رئيسي في أي مشروع إصلاح سياسي جاد.
وإذا لم تجد لنفسها مكانًا في أبسط أشكال التمثيل المحلي، فكيف يُطلب منها أن تقنع قواعدها الشعبية بأنها جزء من "المعادلة الوطنية"؟
الأخطر من ذلك، أن التعيين – رغم ما قد يحمله من أسماء محترمة ومهنية – تم بمعايير غير معلنة، وبدون مشاركة سياسية أو نقاش مجتمعي شفاف. لا قوائم، لا معايير اختيار، لا آلية تقييم.
ما يعيدنا إلى سؤال مزمن:
من يقرر؟ وبناءً على ماذا؟
الأحزاب ليست مجرد شعارات أو مؤتمرات صحفية، هي تمثيل سياسي وتنظيم اجتماعي، وإذا أُقصيت من المشهد المحلي، وهو الأقرب للناس فإنها عمليًا تُجرَّد من وظيفتها الأساسية، وتُترك في حالة "حياد سلبي" لا يليق بمشروع إصلاح سياسي يُفترض أنه وُضع لتكريسها لا تهميشها.
الناس لا تطلب معجزات، بل تطلب فقط أن تكون شريكة في القرار.
والأحزاب لا تطلب امتيازات، بل تطلب فقط أن تكون جزءًا طبيعيًا من اللعبة، لا خارجها.
إذا كان المطلوب هو تطوير الأداء الإداري المحلي، فالمعادلة لا يجب أن تكون "إما تكنوقراط بالتعيين، أو فوضى شعبية بالانتخاب".
هناك حلول وسط، هناك محاصصة شفافة، هناك تمثيل حزبي مهني، وهناك تجارب عالمية يمكن الاستفادة منها.
أما إذا بقي التعيين هو القاعدة، والمشاركة الشعبية هي الاستثناء، والأحزاب تُستخدم كشاهد زور لا أكثر… فالمشهد لا يتجه إلى تحديث سياسي، بل إلى تبريد سياسي… وربما إلى تفريغ كامل للحياة العامة من معناها.