22 الاعلامي - بقلم : د محمد يوسف حسن بزبز / سفير جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميّز التربوي
في ظل التحولات المتسارعة في سوق العمل المحلي والعالمي يبرز التعليم التقني والمهني BTEC كخيار استراتيجي يعيد تعريف وظيفة المدرسة ويربطها مباشرة بواقع السوق واحتياجاته لم تعد مخرجات التعليم تقاس بعدد الأوراق والشهادات بل بما يمتلكه الطالب من مهارات عملية وخبرات تطبيقية قادرة على أن تجعله شريكًا فاعلًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
تجربة BTEC في الأردن لم تأتِ صدفة بل جاءت استجابة مدروسة لحاجة وطنية ملحّة لإيجاد مسارات تعليمية متعددة تضمن التنوّع والعدالة وتوفّر للطلبة فرصًا متكافئة للنجاح كل حسب قدراته وميوله وطموحه هذا النموذج لا يعتمد على الحفظ والتلقين بل يبني على الفعل والممارسة ويُقيّم الأداء لا الورقة.
الطالب في BTEC لا يستهلك المعرفة بل ينتجها من خلال مشاريع حقيقية وأنشطة تطبيقية تقيس الكفاءة وتطوّرها تدريجيًا وهو خلال رحلته الدراسية يكتسب مهارات تحليل المشكلات والتفكير الناقد والعمل الجماعي والاتصال الفعّال وهي المهارات الأساسية المطلوبة في أي قطاع إنتاجي أو خدمي. بخلاف التعليم التقليدي الذي يؤجّل الانخراط في سوق العمل إلى ما بعد التخرّج فإن BTEC يتيح للطالب فرصة الدخول في بيئات العمل مبكرًا من خلال التدريب الميداني والتطبيق العملي ويمنحه الوقت والمساحة لبناء مشروعه الخاص أو تطوير فكرة ريادية قابلة للتنفيذ.
هذا النوع من التعليم لا يعزل الطلبة عن المسار الجامعي بل يعزز فرصهم فيه إذ تفتح برامج BTEC المعتمدة في الأردن أبواب القبول في عدد من الجامعات المحلية والعالمية خاصة في التخصصات التطبيقية والإدارية والتقنية مما يمنح الطلبة مرونة عالية في رسم مستقبلهم كما يشاؤون.
أولياء الأمور مطالبون اليوم بالنظر إلى مستقبل أبنائهم من زاوية المهارة لا المعدل ومن زاوية الإنتاج لا التلقين فاختيار المسار التقني والمهني لا يعني تقليلًا من القيمة بل هو استثمار حقيقي في القدرات العملية للطالب وتمكينه من أدوات النجاح الفعلية في بيئة تنافسية متسارعة لا ترحم من لا يمتلك المهارة والخبرة.
التعليم التقني والمهني BTEC لا يصنع طالبًا يجيد الامتحان بل يصنع إنسانًا يفهم التحديات ويصمم حلولًا وينفّذ خططًا ويُقيَّم على أساس الإنجاز لا على أساس الذاكرة هو تعليم يحرّك العقل ويحفّز اليد ويُنشئ لدى الطالب إحساسًا بالمسؤولية والقدرة على اتخاذ القرار والعمل باستقلالية.
المجتمع مطالب كذلك بتجاوز الصور النمطية المرتبطة بالتعليم المهني التي لطالما ربطته بالفشل الأكاديمي أو قلة الفرص، فالحقيقة أن الاقتصاد الوطني لا ينهض من خلال التخصصات النظرية وحدها بل يحتاج إلى قوى عاملة مدرّبة تمتلك المهارة وتفهم لغة السوق وتُسهم في إيجاد الوظائف لا فقط البحث عنها.
التعليم التقني والمهني BTEC في الأردن يمثل تجربة حقيقية تقودها وزارة التربية والتعليم ضمن رؤية وطنية شاملة تهدف إلى إعادة هيكلة منظومة التعليم وربطها بالتنمية الشاملة من خلال بناء شراكات مع القطاع الخاص وتطوير برامج تعليمية تتماشى مع المعايير العالمية وتُنفَّذ في بيئة تعليمية محفّزة قائمة على التقييم المستمر والتعلّم القائم على المشاريع.
نحن لا نحتاج فقط إلى تعليم يشرح الواقع بل إلى تعليم يُغيّره ومن خلال BTEC تتحول المدرسة من حجرة صف جامدة إلى مختبر تفكير وميدان تدريب ومسرح إنتاج حيث يصبح الطالب مشاركًا لا متلقيًا وصانعًا لا مستهلكًا.
حين يتخرّج الطالب من هذا البرنامج يكون قد امتلك حزمة متكاملة من الأدوات والمهارات التي تجعله جاهزًا للانطلاق سواء نحو الجامعة أو نحو السوق أو حتى نحو ريادة الأعمال هو لا يبدأ من نقطة الصفر بل من منصة مهيّأة تمنحه الأفضلية.
التعليم التقني والمهني BTEC ليس بديلاً عن التعليم الجامعي بل مسار مستقل قابل للاندماج والتكامل ضمن منظومة شاملة للتعليم مدى الحياة ومن يختاره لا يُقصى بل يُمكن ومن يسلكه لا يتراجع بل يتقدّم بخطى واثقة نحو مستقبل أكثر وضوحًا وأكثر عدلًا وأكثر إنتاجًا.
الرهان اليوم ليس على النوع بل على الكفاءة ليس على الكم بل على القيمة ليس على العلامة بل على الأثر. وBTEC يوفّر هذا كله في برنامج متكامل مبني على أسس علمية وتجريبية قابلة للقياس والتطوير المستمر.
المستقبل لا يصنعه الانتظار بل القرار وقرار اختيار التعليم التقني والمهني BTEC هو قرار بحجم الوطن لأنه يضع أبناءنا في موقع الفعل ويجعلهم طرفًا في الحل لا في المشكلة فهل نملك الشجاعة لنختار الأفضل لأبنائنا وهل نمتلك الرؤية لنعيد توجيه البوصلة نحو تعليم يليق بأحلامهم وطموحاتهم.






