22 الاعلامي - د. محمد يوسف حسن بزبز
سفير جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي
في لحظةٍ تختلط فيها الأنفاس بالدعوات، وتتمازج فيها نبضات القلب بخفقات الرجاء. تُعلن الحياة ميلاد فرحٍ طال انتظاره، وتُفتح أبواب السماء لدموعٍ ليست ككل الدموع؛ دموعُ الثانوية العامة، تلك التي لا تُشبه سواها.
إنّها الفرحة التي تُولد من رحم السهر، وتنمو على ضفاف التعب، وتشتدّ عودها بين صفحات الكتب ومقاعد الدراسة. فرحةٌ تُشبه النصر بعد معركة، والضوء بعد نفق، والندى بعد قيظٍ طويل.
فرحة "التوجيهي" ليست لحظة عابرة، بل طقسٌ وطنيٌّ خالص، يعيش تفاصيله البيت الأردني بكلّ أفراده؛ فيها تُقرع طبول الفرح في الأحياء، وتُضاء الشوارع ببهجة لا تكتم، وتعلو أصوات الزغاريد التي تشقّ عنان السماء، كأنّ كل بيتٍ في الأردن قد نال الشهادة.
هي لحظةٌ يرتقي فيها الطالب من خانة "الحلم" إلى فضاء "التحقيق"، ومن دائرة الترقّب إلى أفق اليقين، يحمل في يده شهادةً، وفي قلبه يقينًا أنّ الغد أجمل، وأنّ لكلّ مجتهدٍ نصيب، ولكلّ ساعٍ نهاية تستحق.
وما أجملها من لحظات، حين تفيض الأم دموعًا، وتبتسم الأبوة فخرًا، ويفتح المعلم كفّيه إلى السماء شاكرًا، كأنّ النجاح له أيضًا. إنّه يومُ القطاف، حيث تُجنى ثمار الأعوام، وتُسدل ستائر المرحلة، لتُفتح نوافذ جديدة على المستقبل.
لكن، في زحام الفرح، لا ننسى أولئك الذين لم تكتمل فرحتهم، فمن لم يحالفه الحظّ هذا العام، فإنّ الله قد ادّخر له فرحًا أعظم في عامٍ قادم. فلا ينكسر قلب، ولا ينطفئ أمل. فالحياة لا تُقاس بنتيجةٍ واحدة، بل بإصرارٍ لا يموت.
النجاح في الثانوية العامة ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لمشوارٍ أطول، ومسؤولية أعظم، واختيارٍ حاسم لمستقبل الإنسان ووطنه. فليكن الفرح بدايةً لطريقٍ من الجِدّ لا يعرف التراخي، ومن الطموح لا يرضى بالقليل.
فـهنيئًا لكل الناجحين، وهنيئًا لأسرهم، وهنيئًا لوطنٍ ما زال يزرع في أبنائه بذور التفوّق، ليحصد الغد أبطالًا، وبناةً، ومبدعين يحملون راية الأردن عاليًا.