22 الاعلامي - بقلم : علي سليمان النجادات
شهدت العقود الأخيرة تقدماً علمياً وتقنياً غير مسبوق، إنعكست آثاره على مختلف جوانب الحياة الإنسانية، وقد كانت وسائل الإعلام والإتصال في صدارة المجالات التي إستفادت من هذا التقدم، إذ إعتمدت على الأدوات والإمكانات الحديثة وفي مقدمتها تطور الأقمار الصناعية وشبكة المعلومات العالمية، لتتخطى الحدود التقليدية وتسهم في تقليص حواجز الزمان والمكان، الأمر الذي أتاح للإنسان أن يعيش في مجتمع إلكتروني متصل يتبادل المعرفة والخبرات بصورة فوريه، ويؤسس لعصر جديد من التفاعل الإنساني والحضاري.
ومن الملاحظ أن التطورات التكنولوجية في مجال الإعلام والإتصال قد أفرزت نمطاً إعلامياً جديدً يسمى الإعلام الرقمي "الإفتراضي" الذي إستفاد من ثورة عالم الإنترنت، ليكون وسيلة حديثة لنقل الرسالة الإعلامية إلى الجمهور على نطاق واسع عبر مختلف وسائطة الإتصالية لكونه منبرً للعديد من فئات المجتمع.
قيل فيما زمن (العيون مغاريف الحكي) وهذا التصوير يوضح كيف يمكن أن تكون العيون لغة قائمة بحد ذاتها تؤثر في المتلقي وتوجه سلوكه مثلما يفعل الكلام وربما أقوى، أما في عصرنا الحالي فقد أصبح الإعلام الرقمي هو عيون العصر يحمل الرسالة وينقلها بسرعة هائلة وبأثر إجتماعي عميق.
على الصعيد الاجتماعي نجد أن الإنسان كما قيل كائن إتصالي، ولا تقوم للمجتمع قائمة من دون نظام للإتصال، الذي عدَه بعضهم شرطاً من شروط بقاء الكائن البشري، وتاريخ البشرية من عصور نقوش الأحجار إلى بث الأقمار يمكن رصده متوازياً مع تطور وسائل الإتصال الحديثة التي تربط الأفراد والجماعات، ويشهد هذا التاريخ أن الإتصال كان دوماً وراء كل وفاق وصراع، فكلاهما (بحسب ميثاق منظمة اليونسكو)، ينشأ إبتداءً من عقول البشر.
في النظر إلى الإعلام الرقمي نجد أنه أسهم في تعزيز التواصل بين الأفراد، وساعد في توسيع نطاق التواصل الاجتماعي، ليشمل مجتمعات رقمية عالمية، وهذا التواصل الواسع أسهم في تشكيل هويات جديدة، وخلق مساحات مفتوحة للتعبير عن الرأي والمشاركة في النقاشات الاجتماعية وغيرها.
وعلى الصعيد السياسي نجد أن وسائل الإعلام الجديد ساهمت في بحث أنماط جديدة من المشاركة السياسية ضمن أجندة متنوعة من الإهتمامات والأنشطة وفتحت المجال أمام منابر مختلفة لمناقشة قضايا الشأن العام، والحوار، وتبادل الآراء، وقد تميزت هذه الوسائل الإعلامية بخواص تفاعلية وفورية وإنتشارية وسريعة وقليلة التكلفة وتشاركية حررت المتلقين (الجمهور) من التراتبية والأبوية والإحتكارية التي تبنتها وسائل الإعلام التقليدية.
ومما يذكر للإعلام الرقمي على الصعيد السياسي أنه أحدث ثورة في الحملات الانتخابية والسياسات العامة، حيث أصبح أداة رئيسية للتواصل بين السياسيين والناخبين.
كما ساعد في تعزيز المشاركة السياسية وتوفير منصات للمجموعات المهمشة للتعبير عن أصواتها، كما لعب دورً حيوياً في دعم الديمقراطية حول العالم.
وكجزء من الإعلام الرقمي نجد أن منصات التواصل الإجتماعي ساهمت من طرف المجتمع المدني لتقوية التعاون بينه وبين الحكومة، فشكل نموذجاً يمكن الأخذ به في ما يخص تعزيز مشاركة المجتمع المدني في البناء الديمقراطي.
ذلك أن التجارب أثبتت أن إستثمار منصات التواصل الإجتماعي في الحوار بين المجتمع المدني والحكومة، يمكن أن يهيئ بيئة جديدة للديمقراطية، ويساهم في ضمان انتخابات نزيهة وغيرها من القضايا.
كما أنها ساهمت في وجود واقع آخر غير الواقع الحقيقي ومجتمع آخر غبر المجتمع الحقيقي الذي يعيش فيه الفرد، وهذا المجتمع الإفتراضي لا يرتبط بحدود جغرافية وإجتماعية وليست له ضوابط تتناسب مع قيم المجتمع والأسرة وعاداته وتقاليده ومبادئه الثابتة، مما أثر على حياة الأفراد إيجابياً وسلبياً على حد سواء.
ومنصات التواصل الإجتماعي تتعدد لتشمل مجموعة من المواقع على شبكة الإنترنت العالمية التي تتيح التواصل بين الأفراد في بيئة مجتمع إفتراضي، ومن أشهر هذه المواقع الموجودة حالياً، إكس، الفيسبوك، الواتس اب، التليغرام، الإنستغرام.
لقد أحدث الإعلام الرقمي ثورة في المشهد الاجتماعي والسياسي العالمي بفضل قدرته على نشر المعلومات بسرعة وتوفير منصات للتفاعل والمشاركة، لذا أصبح قوة دافعة للتغيير الاجتماعي والسياسي.
كما انه ساهم في تعزيز التواصل بين الأفراد وتشكيل الهويات الرقمية، وتنظيم الحركات الاجتماعية والسياسية، وفي الوقت نفسه أيضاً أثار تحديات كبيرة تتعلق بالخصوصية، وإنتشار المعلومات المضللة، والتأثير الخارجي على السياسة الداخلية للدول.
ورغم هذه التحديات يبقى الإعلام الرقمي أداة قوية لتعزيز الديمقراطية والمشاركة المدنية إذا ما تم إستخدامه بشكل مسؤول ومنظم، مع مراعاة تطوير سياسات وتشريعات تحمي حقوق الأفراد وتعزز الإستقرار الإجتماعي والسياسي في ظل هذا العصر الرقمي المتسارع بالأحداث والأنماط الاجتماعية المختلفة.
علي سليمان النجادات