بقلم : د. محمد رحامنه/ الجامعة الأردنية
نظم المشرع كيفية عمل مجلس الأمة، كما حدد دورات انعقاد له؛ ومن أبرزها دورة الانعقاد العادية؛ وقد جعل مدتها ستة أشهر تبدأ في الأول من تشرين أول من كل عام.
على الرغم من ذلك فقد أوجب المشرع الاجتماع في دورة الانعقاد بعد صدور دعوة من جلالة الملك للمجلس (المادة 78 من الدستور).
إن جعل تلك الدعوة شرط لاجتماع مجلس الأمة يعد تطبيقًا لتعاون السلطات فيما بينها؛ فالدولة على الرغم من وجود عدة سلطات فيها إلا أنها تبقى دولة واحدة؛ تعمل سلطاتها ضمن نسق يحقق الصالح العام.
كما أن جعل تلك الدعوة شرط لاجتماع مجلس الأمة يهدف نحو تمكين جلالة الملك من ممارسة صلاحية أخرى، وهي إرجاء بداية دورة الانعقاد، فإذا رأى جلالته أن من الأنسب إرجاء بداية دورة الانعقاد فإنه يصدر إرادة ملكية تتضمن ذلك؛ تطبيقًا لذلك وفي تاريخ 28/ 9/ 2025 صدرت الإرادة الملكية بإرجاء انعقاد مجلس الأمة الحالي حتى تاريخ 26/ 10/ 2025، وقد تم نشر تلك الإرادة في الجريدة الرسمية بتاريخ 1/ 10/ 2025.
وفيما يتعلق بضوابط إصدار تلك الإرادة يمكن القول إنها تخضع لقاعدة التوقيع الوزاري المجاور (المادة 40/1 من الدستور) ، كما أنه لا بد من صدورها قبل الأول من تشرين أول؛ حيث إن عدم صدورها يعد قبولًا ضمنيًا من جلالة الملك وإيذانًا منه ببداية دورة الانعقاد في موعدها المحدد في الدستور؛ فقد أوجب المشرع على مجلس الأمة والحالة هذه أن "يجتمع من تلقاء نفسه كما لو كان قد دعي بموجبها"، كما أن المشرع حدد مدة الإرجاء؛ فأوجب أن لا تتجاوز الشهرين، كما أوجب المشرع أيضًا نشر تلك الإرادة في الجريدة الرسمية، إلا أنه لم ينص صراحة على موعد نشر تلك الإرادة.
إن ما يلاحظ على التطبيق العملي أن الحكومة قد سبق لها نشر الإرادات الملكية التي تتضمن إرجاء بداية دورة الانعقاد في الأول أو الثاني أو الثالث من تشرين أول (انظر أعداد الجريدة الرسمية ذوات الأرقام: 5954، 5817، 5426 على التوالي).
إن هذه الممارسة تستوجب البحث في طبيعة اشتراط النشر في الجريدة الرسمية، هل هو شرط لصحة تلك الإرادة؟ فلا تكون منتجة لآثارها إلا بعد النشر؟ أو أنه شرط إجرائي من أجل إعلام مجلس الأمة بالإرجاء ومن ثم فإنه يمكن إعلامه بأي وسيلة أخرى؟
إن اعتبار النشر شرط لصحة تلك الإرادة يعني ضرورة أن يتم النشر قبل الأول من تشرين أول، فإن لم يتم النشر قبل ذلك التاريخ فيفترض بمجلس الأمة أنه لم يعلم بالإرجاء، ومن ثم يتوجب عليه أن يجتمع في ذلك التاريخ من تلقاء نفسه كما لو كان قد دعي للاجتماع ببداية دورة الانعقاد.
أما الفرض الثاني فمن الصعوبة بمكان التسليم به، وذلك لسببين؛ الأول أن المشرع لم يوجب الإعلام؛ بل أوجب النشر في الجريدة الرسمية، فيكون العلم بتلك الإرادة مفترضًا ما دام قد تم نشرها في الجريدة الرسمية، والثاني أنه يجعل من الممكن النشر في الجريدة الرسمية في أي وقت قبل حلول التاريخ المحدد للاجتماع في ضوء الإرادة الملكية المتضمنة إرجاء دورة الانعقاد، وهذا يعني أن مجلس الأمة لن يجتمع في الأول من تشرين الأول على الرغم من عدم نشر الإرادة الملكية المتضمنة الإرجاء، أي أن المجلس علم بالإرجاء بطريقة أخرى غير النشر، وهو ما يجعل من اشتراط النشر لغوًا تشريعيًا على الرغم أن النص الدستوري جعل من النشر في الجريدة الرسمية الوسيلة القانونية للعلم بالإرجاء.
بناءً على ما تقدم، ولضمان تطبيق النصوص الدستورية على أكمل وجه، فقد يكون من المناسب الطلب من المحكمة الدستورية تفسير نص المادة (78) لتحديد الفترة التي يتوجب خلالها نشر الإرادة الملكية المتضمنة إرجاء الانعقاد.
د. محمد رحامنه/ الجامعة الأردنية