بقلم : د.ثروت المعاقبة
تُعَدّ قضايا المناخ والأمن وإدارة الأزمات من أبرز التحديات العالمية المعاصرة التي تواجه المجتمعات كافة، حيث باتت التغيرات المناخية وتداعياتها تهدد الأمن الغذائي والمائي، وتزيد من احتمالية نشوب النزاعات والكوارث الطبيعية والإنسانية، وفي خضم هذه التحديات، تبرز أهمية مراعاة الفروقات الاجتماعية بين الجنسين، إذ أن النساء والرجال يتأثرون بشكل مختلف بهذه الأزمات تبعًا لأدوارهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أن إشراكهم معًا في مواجهتها يسهم في بناء مجتمعات أكثر مرونة وعدالة وقدرة على الصمود.
في سياق قضايا المناخ، يتضح أن النساء، لا سيما في المناطق الريفية والفقيرة، يتأثرن بشكل غير متكافئ بالتغيرات المناخية، نظرًا لاعتمادهن الكبير على الموارد الطبيعية مثل الزراعة والمياه والحطب، وهو ما يجعلهن أكثر عرضة لتداعيات الجفاف والتصحر والفيضانات، وفي المقابل، يمتلك الرجال أحيانًا فرصًا أكبر للوصول إلى مصادر الدخل البديلة أو الهجرة بحثًا عن العمل، الأمر الذي يضاعف من مسؤوليات النساء عند غيابهم، وتزداد الفجوة مع ضعف مشاركة النساء في صنع السياسات المناخية، ما يؤدي إلى إغفال احتياجاتهن، ومن هنا تبرز أهمية إدماج منظور النوع الاجتماعي في هذه السياسات لضمان حلول أكثر شمولية وعدالة.
أما في قضايا الأمن، فإن النساء يعانين من هشاشة خاصة في ظل النزاعات والحروب، حيث يتعرضن لانتهاكات متكررة مثل العنف الجنسي والاستغلال، فضلًا عن تعرضهن للتهجير القسري الذي يفاقم من معاناتهن الاقتصادية والاجتماعية، ورغم أن قرار مجلس الأمن رقم (1325) أكد على دور النساء في السلام والأمن، إلا أن مشاركتهن الفعلية في المفاوضات وعمليات إعادة الإعمار ما تزال خجولة. إن تعزيز وجود النساء في الطواقم الأمنية والعسكرية يسهم في بناء الثقة مع المجتمعات المحلية، ويُحسّن من استجابة المؤسسات الأمنية لاحتياجات مختلف الفئات.
وفي مجال إدارة الأزمات والكوارث، تتأثر النساء بشكل واضح بسبب الأدوار التقليدية المسندة إليهن، إذ يتحملن مسؤوليات رعاية الأطفال وكبار السن، مما يزيد من أعبائهن ويحد من وصولهن السريع إلى مراكز الإغاثة، كما أن حضور الرجال في مجالس إدارة الكوارث بشكل أكبر يؤدي إلى إغفال إدماج احتياجات النساء في الخطط والسياسات، وتضاف إلى ذلك الفجوة في الحصول على الموارد والمعلومات، حيث تعاني العديد من النساء من ضعف الوصول إلى الإنذارات المبكرة أو فرص التدريب والتأهيل، ما يقلل من قدرتهن على التكيف والاستجابة.
إن مراعاة الفروقات الاجتماعية بين الجنسين في هذه القضايا تعد ضرورة استراتيجية قبل أن تكون مطلبًا عداليًا، فهي تسهم في تعزيز العدالة والمساواة عبر ضمان توزيع عادل للموارد والإغاثة، كما ترفع من كفاءة الاستجابة للأزمات بفضل مشاركة النساء التي تضيف رؤى مختلفة تسهم في تحسين التخطيط والتنفيذ، وإلى جانب ذلك، فإن إدماج النساء يعزز من قدرة المجتمعات على الصمود والتكيف مع التغيرات البيئية والأمنية.
ولتحقيق ذلك، يمكن تبني عدة آليات عملية، تبدأ من وضع السياسات والتشريعات الوطنية التي تراعي النوع الاجتماعي في مجالات المناخ والأمن وإدارة الأزمات، وضمان تطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالمرأة والسلام والأمن، كما أن التعليم والتدريب يمثلان أداة أساسية لتمكين النساء من المشاركة بفاعلية، سواء من خلال تعزيز مهاراتهن في مجالات التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة أو عبر برامج تدريبية لإدارة الكوارث والقيادة في الأزمات، ويُضاف إلى ذلك التمكين الاقتصادي والاجتماعي عبر توفير فرص عمل بديلة ودعم المشاريع النسائية الصغيرة والمتوسطة، فضلًا عن تعزيز المشاركة السياسية والمجتمعية للنساء في لجان التخطيط والقيادة.
وتؤكد التجارب الدولية أن إشراك النساء في إدارة هذه التحديات يعود بنتائج ملموسة، أما عن تجربة الأردن، فقد بدأ بخطوات عملية لإدماج منظور النوع الاجتماعي في استراتيجيات التكيف المناخي وخطط الأمن الوطني.
ختامًا، فإن مراعاة الفروقات الاجتماعية بين الجنسين في قضايا المناخ والأمن وإدارة الأزمات ليست مطلبًا هامشيًا، بل هي ركيزة أساسية لضمان استدامة الحلول وفاعليتها، فالمجتمعات التي تُمكّن النساء وتدمجهن في مواجهة التحديات الراهنة، تكون أكثر قدرة على الصمود والتعافي، وأكثر استعدادًا لمواجهة المستقبل بتوازن وعدالة.