×
آخر الأخبار

اسم الكاتب : الدكتورة زهور غرايبة

غرايبة تكتب : حين حلّق الملك فوق سماء غزة… الأردن يصنع موقفاً سيُروى طويلاً

{title}
22 الإعلامي   -

بقلم : د. زهور غرايبة


في ذاكرة الشعوب محطات لا تُنسى، ولحظات تتحول إلى علامات فارقة في التاريخ، ومن هذه اللحظات الخالدة، يوم صعد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على متن أول طائرة إغاثة أردنية متجهة إلى غزة المحاصرة، ليكون أول قائدٍ عربيٍّ يمدّ يده عملياً لشعبٍ تحت النار.

كما أن الرحلة الجوية التي قادها جلالته فوق سماء غزة، كانت موقفاً سياسياً وإنسانياً جريئاً، رسّخ صورة الأردن كحاضنة للقضية الفلسطينية وصوتها الصادق، حيث أن هذه الخطوة أعادت تعريف معنى القيادة في لحظات الأزمات، حين يكون الفعل أبلغ من أي خطاب.

وعلى مدار عامين من الحرب القاسية، كانت الطائرات الأردنية تحلّق باستمرار، حاملة الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية، ومعلنة أمام العالم أن للكرامة عنواناً اسمه الأردن، لم يكتفِ جلالته بإرسال المساعدات من بعيد، وإنما قادها بنفسه، مؤكداً أن الدعم موقفٌ لا يُفوّض، وأن القيادة الحقيقية تُثبت نفسها بالأفعال لا بالكلمات، ومن خلال هذا الحضور الميداني، عزز الأردن مكانته كفاعل إنساني وسياسي محوري في المنطقة، يتحرك بثقة وثبات في وجه الأزمات.

في موازاة الموقف الرسمي، كان الأردنيون والأردنيات يشكّلون سنداً حيّاً لهذا الجهد الوطني، لم يتأخر الشارع الأردني في التعبير عن تضامنه العميق مع غزة، فامتلأت الساحات والمساجد والجامعات والمبادرات الشعبية بنداءات الدعم والدعاء، وتدفقت التبرعات والإمدادات الشعبية بمختلف أشكالها، لقد وقف الأردنيون والأردنيات كتفاً إلى كتف خلف قيادتهم، ليؤكدوا أن هذا الموقف ليس قراراً سياسياً فقط، بل موقف شعبي راسخ نابع من وجدان جماعي يعتبر فلسطين قضيته المركزية، كما كان التضامن الأردني نموذجاً حياً على أن وحدة الشعب والقيادة تصنع ثقلاً حقيقياً في الميدان، وتمنح الموقف السياسي بعده الشعبي الأصيل.

ورغم الحملات المغرضة التي حاولت النيل من موقف الأردن، والتشكيك في صدقه، والتشويه الإعلامي المتعمد، بقي الأردن ثابتاً على مبادئه، وواصل دعمه الإنساني والسياسي لغزة، وواجه التخوين بالصمت الواثق، وردّ بالتضامن الفعلي، مؤمناً بأن المواقف النبيلة لا تحتاج إلى تبرير، وفي تلك اللحظة التي فضّل فيها كثيرون الصمت أو الحياد، اختار الأردن الموقف المبدئي، ليؤكد أن القضية الفلسطينية جزء من وجدان الدولة وهويتها.

لقد قاد جلالة الملك شعبه في واحدة من أكثر المراحل الإقليمية حساسية، بثباتٍ ووعيٍ استثنائي، إذ تمسّك بالثوابت الأردنية تجاه فلسطين والقدس، وحافظ في الوقت نفسه على استقرار الداخل الأردني ووحدته.

ومن خلال رؤية سياسية متزنة، جمع بين الدور الإنساني الميداني والدور الدبلوماسي الفاعل في المحافل الدولية، لتبقى فلسطين في صدارة الخطاب الأردني دون تردد أو مساومة، إن هذا التوازن بين الفعل الإنساني والسياسي عكس نهجاً قيادياً واعياً، استطاع أن يرسّخ صورة الأردن كدولة مسؤولة تقود بمبادئ لا بردود أفعال.

هذا الموقف الأردني هو امتداد لدور هاشمي عريق حمل مسؤولية الوصاية الهاشمية على المقدسات، ودافع عن فلسطين في الساحات السياسية والدبلوماسية والإنسانية، وقد جسّد جلالة الملك عبدالله الثاني هذه المسؤولية بأعلى صورها، حين اختار أن يكون أول من يطرق سماء غزة، وأول من يفتح لها طريق الإغاثة، إنه امتداد طبيعي لمسار تاريخي بدأ منذ تأسيس الدولة الأردنية، قائم على التزام ثابت بقضية فلسطين والدفاع عن العدالة والكرامة الإنسانية.

إن ما فعله الأردن في غزة على مدار عامين لم يكن مجرد إغاثة، إنما كان توثيقاً لمعنى العروبة الأصيلة، وتجسيداً لقيم القيادة الهاشمية التي اختارت الوقوف في الصف الأمامي عندما اختار آخرون الصمت.

سيبقى هذا الموقف محفوراً في ذاكرة العرب، وفي ذاكرة كل أردني وأردنية فخورين بانتمائهم لوطنٍ لا يساوم على مواقفه، وطنٍ يقوده ملك يضع القيم والإنسانية في صدارة الأولويات ويجعل من الميدان عنواناً للقيادة.